مستقبل العلاقات الليبية الامريكية ؟؟

التظاهر السلمي والاحتجاج بطرق منظمة ، حق مكفول في عرف ودساتير النظم الديمقراطية باعتباره وسيلة شرعية للتعبير عن الراي ، غير ان التظاهر المسلح في ظل الانفلات الامني وغياب القانون لا يمكن الا ان يكون سلوك غير قانوني مخالف لكل الشرائع والاعراف الوطنية والدولية ، بل هو شكل من اشكال العدوان او الشروع في العدوان الذي يواجه بعنف مماثل من جانب الطرف الاخر دفاعا عن النفس ويقود الى دائرة مغلقة من الفعل وردود الفعل غير المحسوبة النتائج .  وإذا ما افترضنا حسن نوايا القائمون بالتظاهر والاحتجاج ، فانه ليس من الممكن ان تقدم مجموعة من الافراد البسطاءمهما بلغت بهم درجة الغضبعلى اضرام النيران في القنصلية الامريكية وقتل السفير وثلاثة من المواطنين الامريكيين بطريقة بشعة . اذا فان الاحتمال الاقرب الى الواقع هو ان يكون ما حدث مؤامرة مدبرة لصالح اجندات خارجية لا علاقة لها من قريب اومن بعيد بالإساءة الى الرسول الكريم .

وما يرجح احتمال المؤامرة المدبرة هو التوقيت والظروف التي رافقتها وسبقتها ، وهنا تبدو بصمات العمل الانتقامي ضد المصالح الامريكية واضحة ، وقد اجتمعت مبررات الانتقام لدى اكثر من طرف ( مقتل ابو يحي الليبي وضرب اهداف اخرى ، وتخلي الولايات المتحدة الامريكية عن القذافي ومساندة انتفاضة الشعب الليبي ) ، ولا يعني هذا اشتراط التنسيق او العمل المشترك المسبق بين الطرفين  (بعض الفصائل الجهادية وأتباع فلول النظام السابق ) ، ولكن ما حدث هو استغلال احدهما او كلاهما لقصة الفلم وتوظيفها للعمل الانتقامي ضد القنصلية الامريكية التي قد يكون وجود السفير بها مصادفة او قد يكون لدى المخططين علم بوجوده فيها ؟ كما لايعني ذلك بالضرورة وصم جميع المشاركين في التظاهرة بتهمة التامر او المشاركة ( مع سبق الاصرار والترصد ) فقد ضمت الاغلبية من البسطاء المندفعين وكذلك ( المغرر بهم ) .

الرد الدبلوماسي الهادئ الذي جاء على لسان الرئيس الامريكي كاول رد فعل رسمي حول الحادث قد لا يعكس حقيقة الموقف الامريكي الذي قد ياخذ ابعادا غير منظورة على المدى المتوسط والبعيد خاصة وان القضية تتعلق بهيبة الولايات المتحدة الامريكية وأمنها القومي وان الرئيس اوباما يخوض حملته الانتخابية لفترة الرئاسة الثانية …. وما يهمنا في هذا المقام هو  تحليل المعطيات السياسية والأمنية المتعلقة بالاعتداء المسلح على القنصلية الامريكية ونتائجه وتداعياته على العلاقات الامريكية الليبية ،  وتقييم النتائج واستخلاص الدروس…. ونتساءل لمصلحة من يتم تنفيذ عملية ارهابية بهذا الحجم ضد امريكا داخل الاراضي الليبية ؟ ومن البديهي الاجابة جزئيا على هذا السؤال بأنه ليس من مصلحة ليبيا لا من بعيد ولا من قريب ذلك سواء بدعوى نصرة الرسول الكريم ام غير ذلك من المبررات.

 سلسلة الهجمات والاعتداءات المسلحة ضد السفارات الامريكية التي انطلقت في مصر وسرعان ما وجدت صداها في ليبيا بطريقة اكثر عنفا وهمجية وبعده ذلك في اليمن وغيرها من الدول الاسلامية ، قد شكلت في مجموعها ضربة قاسية للسياسة الخارجية الامريكية في منطقة شمال افريقيا خاصة وأنها قد جاءت عقب تبدل في وجهة السياسية الخارجية الامريكية وانفتاحها على النظم السياسية الجديدة فيما عرف اصطلاحا بثورات الربيع العربي التي لقيت تأييدا سياسيا غير محدود  ودعما لوجستيا غير مسبوق من جانب الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها الاوروبيين وغيرهم ، وبالتالي فإنها قد تشكل منعطفا خطيرا في توجهات السياسية الخارجية الامريكية المستقبلية ازاء هذه المنطقة .

وفي جميع الاحوال فان الادارة الامريكية قد تكون في الوقت الراهن في حالة الصدمة ، وإعادة تقييم للأوضاع الجيوسياسية  وحساباتها وعلاقاتها مع القوى السياسية في المنطقة العربية . ورغم ذلك فانه لا يمكن الاختلاف على حقيقتين ، اولاهما ان هذا العمل الارهابي لم ولن يكون في صالح ليبيا ولا الشعارات التي رفعها المهاجمون (الدفاع عن الرسول الكريم والإسلام ) لان ما حدث من عمل عدواني همجي يسئ الى الاسلام والمسلمين ولن تكون نتائجه الا عكسية مائة في المائة ، وثانيهما  ان الضربة الموجعة التي وجهت للإدارة الامريكية سوف لن تمر بدون رد فعل انتقامي من نفس الحجم يعيد الهيبة ويحفظ الكرامة الامريكية وسيكون لضغوط الحزب الجمهوري اثرها في هذا الاتجاه ، وهذا الرد اما انه سيكون مباشر  (ضربة او ضربات جوية او بحرية نوعية محدودة تستهدف مواقع وشخصيات محددة ) ، او غير مباشر ( العمل السري ألاستخباراتي ) وسيكون ابعد اثرا وتأثيرا ويستهدف خارطة التحالفات السياسية والعسكرية في ليبيا ومنطقة شمال افريقيا لضمان حماية المصالح الامريكية الاستراتيجية وعدم تعرضها للتهديد مستقبلا . وكلنا جميعا قد حذرنا مرارا وتكرارا من شبح الدولة الفاشلة الذي يترك المجال مفتوحا امام سيناريوهات التدخل الاجنبي بجميع اشكاله ومن اوسع ابوابه ، وقلنا بالأمس بان حكومة الكيب ، ونكرر اليوم بان الحكومة القادمة مدعوة بإلحاح اكثر من اي وقت مضى وفي عجالة من الأمر الى انتهاج سياسة داخلية قوية صارمة تقوم على الاولوية القصوى للأمن الوطني والقومي وامن المواطن وسلامته وفرض هيبة وسلطة الدولة وسيادة القانون تضع حدا نهائيا لسطوة الجماعات المسلحة وانتشار السلاح وحمله واستعماله بطريقة غير قانونية مهما كلف ذلك من ثمن …. ونختتم بالدعاء بان يحفظ الله العلي القدير ليبيا ويرعاها ، كما حفظ ورعى انتفاضة شعبها ، انه سميع مجيب الدعاء .

بقلم / فاضل عبد اللطيف