خطة " ب " في العراق

 

كتابات - أثير الكاتب

 

التفكير بما بعد العملية السياسية في العراق أمر بالغ الأهمية لاعتبارات كثيرة جدا، ولاسيما إن هذه العملية متأزمة منذ لحظتها الأولى وتعاني الجمود والانقطاع عن آمال الشعب وآلامه؛ ومن هنا، فإن التفكير بالبديل أمر بالغ الأهمية بدل الوقوع بالفوضى التي لا نعدم من يتوقع حدوثها نتيجة عقم هذه العملية وطائفيتها وخلاف أمراء الطوائف عليها.

 

وعلاوة على ذلك، فإن هذا التفكير يعطي الجميع فرصة التفكير بفائدة العدول عن المسلك الحالي واختيار مسلك أفضل، وهذه الفائدة تشمل حتى المشاركين في هذه العملية وأزعم أنهم جميعا متخبطون فيها؛ فهم لا ينتقلون من أزمة شديدة إلا أزمة أكثر شدة. وهكذا، فإن مناقشة عواقب انهيار العملية السياسية وبدائلها قد يصب في مصلحة هذه العملية ويديمها، ومما لا شك فيه أن الاحتياط للأسوأ من حسن التفكر والتدبير، فمن يعدد خياراته أفضل ممن يضع بيضه كله في سلة متهرئة.

 

ويكتسي التفكير بالخطة ب أهمية كبرى مع قرب انسحاب القوات الأميركية من العراق وإصرار أهل البصيرة من الساسة العراقيين على ترك التمديد لها، رغم أن هذا الموقف يدخل العراق في فراغ أمني قد يودي بالعملية السياسية، ويتركنا في مجهول سبق أن جربنا مرارته.

 

هناك من سيقول: لماذا علينا أن نفكر ببدائل العملية السياسية وما الذي سنخسره إذا انهارت ما دمنا بسببها بلا كهرباء ولا تعليم جيد ولا صحة ولا صناعة ولا تجارة ولا أمن ولا مستقبل. بيد أن هذا الواقع يجعل الحاجة أعظم للتفكير بالبدائل من أجل ضمان حياة أفضل للعراقيين، ناهيك عن أن الفوضى العارمة التي قد تعقب هذه العملية ستكون أسوأ كثيرا من فقدان الخدمات الأساسية.

 

ماذا سيحدث لو انهارت العملية السياسية؟ يقول المنتفعون من هذه العملية إن نهايتها تعني نهاية العراق بتقسيمه وانهيار مؤسساته! المتضررون من هذه العملية يقولون إن موت المسار السياسي الراهن سيكون إيذانا ببداية جديدة لمستقبل أفضل. في الواقع، كلتا النتيجتين واردتان غير أنهما مفرطتان بالتبسيط . إن الواقع أكثر تعقيدا من أن يقود إلى أي من هاتين النتيجتين، وأغلب الظن أن طريقة الانهيار – إن حدثت - وأسبابها المباشرة ستتحكم إلى حد كبير بالمسار الجديد.

 

بتأمل عميق، يدرك المرء أن العملية السياسية في العراق لا تقوى على الاستمرار لأنها لا تملك أي من مقومات الديمومة، ولا تستطيع نقد نفسها وتقويم أدائها وتحسينه، ناهيك عن تركها لجميع الملفات معلقة وضعفها في حسم أي مسألة خلافية بدء بالدستور وكركوك وانتهاء بمنصب وزير الدفاع. هذا الشلل يأخذ منحى تصاعديا ويتعقد مع مرور الأيام بدل أن يخف بفعل الخبرة السياسية. كان يمكن التفكير باحتمال إصلاح هذه العملية من الداخل لو كان لدى القائمين عليها الحصافة لفعل ذلك. إن الاتفاقات التي أبرمت للترقيع أصابتها الشقوق هي نفسها وأصبحت مثار خلاف في نهاية المطاف. ولو أن قصر النظر وشهوة التسلط غير متحكمتين لكان من الممكن ترك الإصلاح لخبراء الشأن السياسي.

 

ولكن إذا كان موت العملية السياسية محتما وليس سوى مسألة وقت فإن من العجز والهوان أن نكتفي بالانتظار لكي نرى التاسع من نيسان يتكرر مرة أخرى أو أن نرى أنفسنا خاضعين لدول الجوار المتنفذة أو نكون ساحة جديدة لحرب أهلية طويلة. التبصر بالوجهة التي نسير إليها وتبين مخاطرها أول خطوة نحو تجنب هذه الكوارث. هذه الخطوة الأولى هي الأصعب والأكثر أهمية فكل ما بعدها سيأتي بصورة آلية. إنك متى ما صحوت من غفوتك ووجدت نفسك على شفا هاوية لن تغفو ثانية إلا وقد وضعت نفسك في مأمن من كل شر. سنجد أنفسنا نتعلم من الدروس القاسية ولا ننسى أبدا.

 

لقد آن الأوان لانطلاق نقاش جدي يشترك فيه الجميع في مختلف المستويات بشأن حاضرنا ومستقبل أبنائنا. لنبدأ حوارا حقيقيا بلا أي شرط أو سقف ولا أية نتيجة مسبقة. دعونا نكرر سؤال الجواهري:

 

ماذا يراد بنا وأين نسار     والليل داج والطريق عثار

 

دعونا نبحث عن خطة جديدة للغد، عن كيفية التحرك مجددا إلى الأمام، عن فرص جديدة للحصول على الأمن والخدمات، عن وسائل أفضل لحياة أحسن، عن سيناريو آخر غير الدائرة المفرغة التي تسير بنا إلى الوراء. دعونا نستشعر الخطر المحدق ونستعد له قبل الطوفان المريع. الخطة ب التي أقترحها هي ببساطة أن يبدأ الجميع بالبحث عن الخطة ب، لعلنا نهتدي إلى سواء السبيل ولعلنا في خضم البحث نعثر على أنفسنا.

 

anaanti1@yahoo.com