دبابة جسر الجمهورية في سنتها السادسة

 

كتابات - وارد بدر السالم

 

عندما دخلت أول دبابة أمريكية وسط بغداد في مثل هذا اليوم قبل ست سنوات، كنتُ أظن أنني أول مَن رآها كما ظن غيري من العراقيين !

قد أستعيد المشهد ببطء شديد وأُرجع الذاكرة كثيراً أو قليلاً ، محاولاً تقليص مسافة الزمن العراقي المضرج بالدماء وكأن الحياة توقفت هناك ، على جسر الجمهورية تحديداً ، وقتها لم نفسر جيداً أهذه  نقطة خلاص أم نقطة موت جديد سيأخذ عناوين ومسميات أخرى ؟

لم نفكر أن ثقافة التاسع من نيسان هي ثقافة جديدة وأن الحياة النيسانية ليست طارئة على وجودنا ، فاشتبكت وتشابكت الخطوط والألوان والعناوين والمسميات والفصول وهبّت فورة الصبيان والمصابين بأمراض اليسار واليمين والوسط  لتجعل من اللغم بديلاً للشجرة ومن الرصاصة بديلاً للكلمة الطيبة.

دبابة جسر الجمهورية كانت الحقيقة الشاخصة التي رآها العراقيون كما رآها العالم لحظة بلحظة ، كانت هي حقيقة الإحتلال ، كما هي حقيقة التحرير، حقيقة تبدل الفصول العراقية بعد فصول من الضنك والحروب والدمار النفسي الذي لا يوصَف.

كنتُ أظن أنني وبمشاعر مختلجة رأيتُ أول دبابة أمريكية اخترقت السر العراقي وسوّدت لون الحياة ، فوقفتْ ساكنة على الجسر الوحيد تفصل بغداد الى كرخها ورصافتها ، تتأمل وطناً صامتاً وشعباً تعلم التصفيق طيلة تاريخه ، وقيادة تبخرت بسرعة مذهلة على طريقة الجن والعفاريت !

خمس سنوات مضت وما تزال دبابة جسر الجمهورية واقفة هناك ، تشطر بغداد الى شطرين ، وشعب يترنح تحت يافطات مغرية اختلط فيها الكذب بالرياء والنفاق بالإيديولوجية الكذابة والدين باللصوصية والعمامة بالسحت الحرام .

نيسان كان آخر الشهور وأول الشهور..

انفتح الوطن كمحارة وعبث في أحشائها الصيادون والمهرّبون وذوو الألسن الطويلة وأصحاب الياقات الزرقاء والمتكرشون والصلعان والعميان والعوران والعرجان والحولان ومعممو المقابر وأصحاب الدشاديش المحسورة وندّابو الموتى ومروّجو الإشاعات ومصنّعو الخمائر المتعفنة ، الكذابون والأدعياء والمنافقون وأصحاب البناطيل القصيرة وكلاب الصحراء وذئاب الليل ومافيات الكاوبوي وتجار المخدرات ومصححو نشرات الأخبار على توقيت الإحتلال.....

دبابة جسر الجمهورية كانت إشارة مبكرة لخريف طويل ، لكننا لم نفهمها ، فقد أخَذَنَا مزمار التحرير وجرّدنا من قمصاننا وفرش أمامنا مناديل ربيع أخضر زاهي الألوان كما نقلتها الفضائيات الجديدة التي  خلطت  سم الاحتلال بعسل التحرير ، فتجرعنا الكميتين كفئران المختبرات !

ست سنوات مضت وأخرى ستمضي ولما تزل دبابة جسر الجمهورية تشطرنا الى شطرين!

كم عليك يا وطن الرافدين أن تحتمل

وتتعرى وتنزف

كي يلتقي شطراك

على جسر عراقي جديد.........!

waridbader@gmail.com