محمد الراجي

 

January 03, 2010

 

1)

 

أحاول أن أتخيل منظر الشاب الانتحاري عمر الفاروق عبد المطلب، وهو جالس على مقعده داخل طائرة الرحلة 253 لشركة "نورثويست إيرلاينز" التي ربطت بين العاصمة الهولندية أمستردام ومدينة ديترويت الأمريكية، وهو يتحين الفرصة المناسبة كي يفجر ما كان بحوزته من متفجرات ليهلك الطائرة ومن عليها من المسافرين، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين أو يهودا أو بوذيين أو بدون دين ولا ملة. أحاول أن أفهم كيف لشاب في مقتبل العمر أن يذهب "تفكيره" نحو هذا المنحى، لكنني عجزت عن الفهم، لأن عقلي للأسف لا يستطيع استيعاب مثل هذه الأفعال والسلوكيات التي لا تمتّ إلى العقلانية بصلة!

 

2)

 

أفهم أن يكون عمر غاضبا من حكام أمريكا، وحكام الغرب والعرب والمسلمين أجمعين، وأفهم أنه يتقطع ألما، مثلنا جميعا، عندما يرى الهمجية التي يُعامَل بها الفلسطينيون من طرف جنود الاحتلال الإسرائيلي، لكن، ما ذنب أولائك الركاب الذين كان عمر يستعد لوضع حد لحياتهم قبل أن تبوء محاولته بالفشل؟ ماذا فعلوا لك يا عمر وماذا كان ذنبهم؟ ألا تعلم أن الله تعالى قال في كتابه الكريم: "ومن يقتل نفسا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا"؟

 

لو كنتَ شجاعا يا عمر كما تعتقد، لذهبتَ إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليس من أجل تفجير حافلات المدنيين، بل من أجل مواجهة عساكر الاحتلال، لكنك لم تفعل، وفضلت أن تُظهر للعالم بطولتك الوهمية من فوق سماء ديترويت، قبل أن تلتحق بالحور العين في جنة النعيم كما بشرك بذلك أولائك الذين غسلوا دماغك من كل شيء مفيد وحشوْه بالحقد والكراهية والبغضاء وكثير من الأحلام التي لاشك أنها كاذبة، لأن لا أحد لم يطلع على الغيب سوى الله تعالى!

 

وها أنت تدفع ثمن ما اقترفتْ يداك، ومع ذلك، عليك أن تحمد الله تعالى لأنك لم تقتل أحدا، وإن كانت لديك النية المسبقة لفعل ذلك، فقد يكون أمامك وقت مديد، إذا أمد الله في عمرك، ولم ترسلك حقنة الإعدام إلى الدار الآخرة على عجل، كي تستغفر الله وتتوب إليه، وتراجع أفكارك من أولها إلى آخرها، وأولها أن تقتنع بأن الجنة لا يدخلها الناس عن طريق قوارب تجري فوق أنهار دماء الأبرياء!

 

3)

 

عمر الفاروق عبد المطلب، مواطن نيجيري، لكن الأمريكيين والغرب بصفة عامة، لا يهتمون بهذه الجنسية، ولا يهمهم إن كان عمر نيجيريا أو صوماليا أو بوركينابيا، لأن له جنسية أكبر وأهم وأشمل، هي الجنسية الإسلامية، وهم عندما يتحدثون عنه يقولون بأنه شاب مسلم، وهذا لعمري في حد ذاته كارثة عظيمة على المسلمين أجمعين، لأن عمر في نظر الغرب، يمثلنا جميعا نحن المسلمين، وما يعزز لديهم هذه القناعة هي أننا، لم يسبق لنا أن قمنا بأي مظاهرة للتنديد بما يفعله تنظيم القاعدة الإرهابي، وغيره من التنظيمات الإرهابية المتفرعة عنه، الذين يقتلون الأبرياء باسمنا وباسم ديننا، وكأننا نقول لهم، نحن معكم في ما تفعلون، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر! لذلك فقد قررتُ أن أتظاهر ضدك، وأقول لك بأعلى صوتي يا عمر بأنني لا يشرفني أن ننتمي معا إلى ملة واحدة!

 

4)

 

وإذا كان الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية قد صار مهددا من جديد، فهناك من يستنكر على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، استعماله لكلمة "إرهابي"، لأول مرة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، في وصف عمر الفاروق عبد المطلب، وكأنهم يطالبونه بتسمية الشاب الانتحاري برجل السلام، رغم أن الشر يتطاير من عينيه الهادئتين!

 

الآن ستزداد صورة المسلمين سوءا على سوء في أنظار العالمين، وستزداد صورة المسلمين قتامة إذا لم يستنكروا وينددوا بما قام به عمر، ويؤكدوا للعام، ولو عن طريق الكلام، أن هؤلاء الجهلة ليسوا منا وأفعالهم لا تمتّ إلى الدين الإسلامي الحنيف بأي صلة أو علاقة.

 

Lesoir2006@gmail.com