مرة أخرى.. تحية للجزائر

  

جهاز المخابرات الأمريكية "أف بي آي" يريد أن يمارس سلوكه المتبع في باكستان وتونس والصومال وليبيا وقطر ودول الخليج وإماراته وغيرها من بلاد العرب والمسلمين.. فوجدها فرصة بعد أحداث عين أم الناس ليطلب المجيء إلى الجزائر والقيام بتحقيقات أمنية وتكوين ملف أمني عن الأوضاع.. الأمريكان، لم يخطئوا الحسابات في الموضوع، إنهم لا ييأسون من محاولاتهم الدؤوبة لجس النبض علهم ينجحون في إلحاق الجزائر بكثير من الدول العربية.. فكان رفض الجزائر سريعا لهذا الطلب

 

المدغول.. هنا، لا بد أن نشير إلى أشكال من التذلل العربي للأمريكان، إلى درجة أن يسمح الحكام للأمريكان بقصف أبناء البلد، كما يحصل في اليمن، وأن يقبل البعض أن يتحرك الأمريكان من أرضه لتدمير دولة عربية، وأن يستقدم البعض الأمريكان لإقامة قواعد عسكرية على أرضه، ويقوم هو بالإنفاق عليها.. وهنا لا بد أن نسجل ملاحظة في غاية الأهمية فيما يتعلق بسياسة الجزائر الخارجية، والتي لم تبرح مبادئ ثورتها المباركة القائمة على حق تقرير المصير بالنسبة إلى الشعوب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم حركات التحرر الوطنية، ورفض الدخول في المحاور الدولية.

 

في أكثر من منعطف، كان للجزائر موقف متميز نبيه، لم يتبدل، ولم يتغير. ففي الملف الفلسطيني، كانت الجزائر، ولا زالت، متمسكة بموقفها المؤيد والمساند لكل الجهود المبذولة لاسترداد الحق الفلسطيني. ولم تتردد في أداء التزامها السياسي والمادي. ولا زال موقفها بنقائه أكثر وضوحا وصفاء وقوة من كثير من أطراف فلسطينية.. ولم تساوم على الملف الفلسطيني، بل لعل كثيرا من أزماتها الداخلية والخارجية جاءت جراء موقفها الواضح الثابت من الموضوع الفلسطيني.. والأمر لا يقف عند حدود هذا الموقف، والمقام هنا لايتسع لذكر عشرات الأدلة التي تجلي موقفا متميزا غير متردد في سياق عام انتهجته الجزائر. ويكفي أن نضرب مثلا بخصوص حرب البوسنة والهرسك حيث حرضت أمريكا المسلمين هناك للقيام بتمرد ضد الدول المركزية العنصرية. وكان القصد الغربي والأمريكي من ذلك تدمير دولة صناعية متقدمة- يوغسلافيا- تختلف منهجيا مع الرأسمالية الغربية.. في تلك المرحلة، كانت الجزائر تحتاج للدعم الغربي والأمريكي في مواجهة أوضاعها الداخلية الصعبة، إلا أن المبدأية ظهرت من جديد، ولم ترحب الجزائر بتفسيخ يوغسلافيا، الدولة المستقلة.

 

الآن، امتحان جديد للدبلوماسية الجزائرية، ولصناع القرار الجزائري. والآن، نصر جديد لهما أيضا.. رفضت الجزائر عرض الحلف الأطلسي بمساعدة الجزائر في ملاحقة "الإرهابيين".. وترفض الجزائر اليوم طلب المخابرات الأمريكية بالمشاركة في التحقيقات.. ونسي المسؤولون الأمريكان أنه قبل عدة أعوام، عندما أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستخضع الجزائريين المسافرين إلى الولايات المتحدة لأنواع من التفتيش المذلة، فما كان من الجزائر إلا أن أعلنت أنه ستنفذ سياسة التعامل بالمثل، وستخضع الأمريكان القادمين إلى الجزائر للإجراءات نفسها.. حينذاك، تراجعت الإدارة الأمريكية عن إجراءاتها بخصوص الجزائريين.

 

إنه يحق للجزائريين، ولكل الأحرار والشرفاء في الأمة، أن يفتخروا بمواقف الجزائر الدولية والإقليمية.. وهي بشكل أو بآخر تعتبر معيارا صحيحا للسياسة الخارجية، وحمى الله الجزائر.