تورّط موسكو
العسكري هدية
لواشنطن
أيّاً تكن حقيقة سقوط الطائرة الحربية التركية قبالة الشواطئ السورية، أكان السبب تقنيا بحتا ام ان مضادات النظام اسقطتها، أم ان صواريخ روسية محمولة على بوارج حربية مرابطة قبالة الشواطئ السورية هي التي اسقطت الطائرة، فإن المؤكد ان الصراع في سوريا وعليها بدأ يتخذ منحى اكثر خطورة من اي وقت مضى. فالموقف الروسي متصلب، بل انه يوحي إمكان الذهاب بعيدا لحماية نظام بشار الاسد ومنعه من السقوط. اما النظام ومن خلفه ايران الداعمة الاساسية له فمستعد ان يقتل عشرات الآلاف من المواطنين السوريين يضافون الى خمسة عشر الفا سقطوا الى اليوم، كما انه لن يتوانى عن ممارسة سياسة شمشونية (عليّ وعلى اعدائي) في محاولة لجعل مناسبة سقوطه، سقوطا للمنطقة بأسرها في فوضى سياسية وامنية.
وضع صار اكثر تعقيدا من ذي قبل مع رفع موسكو وتيرة دعمها العسكري المباشر الى درجة انها تريد افهام من يعنيهم الامر انها هي التي تقاتل عن سوريا. فمن نقل شحنات اسلحة من كل الانواع، الى حشد بوارج حربية في طرطوس، فإنزال قوات كومندوس على الارض تحت عنوان حماية الرعايا الروس في سوريا يتأكد حجم التورط الروسي في معركة نظام بشار الاسد، بحيث أنه مع مرور الوقت سوف يصير الخبراء الروس المنتشرون في كل مكان اهدافا مشروعة للثوار.
في المقابل، تتقاطع المعلومات مفادها ان عديد "الجيش السوري الحر" تجاوز السبعين الفا من المنشقين والعناصر المدنيين الذين التحقوا به. وبدأ السلاح والذخيرة بالتدفّق عليه. وهو يحقق مكاسب كبيرة على الارض باعتراف المراقبين الدوليين الذين اكدوا بلسان قائدهم جنرال روبرت مود ان النظام فقد سيطرة على اجزاء واسعة من الاراضي السورية. معنى هذا ان "الجيش الحر" والثوار هم من يمنع الجيش النظامي من مد سيطرته على كل الاراضي.
ان انزلاق روسيا التدريجي في العمل العسكري على الارض في سوريا يحمل الكثير من الأخطار، لانه يقدم البعد الدولي في صراع على البعد المحلي، ويؤدي الى سقوط عشرات الآلاف من الشهداء الجدد بفعل تفاقم الصدام المسلح على الارض. فهل هذا ما تخشاه الولايات المتحدة فعلا؟ نشك في ذلك، فالتورط الروسي في سوريا لا يقلق واشنطن، بل يكسر قاعدة كانت قائمة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، هي ان الاميركيين هم من يتورط، في حين ان الروس يستغلون عواقب تورط الاميركيين. هذه المرة تبدو سوريا المسرح الذي تندفع موسكو للتورط فيه.
ان سوريا متّجهة بخطى حثيثة نحو مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات. ويبقى الاهم ان تدرك الثورة ان اي تسوية لا تسقط النظام ليست تسوية مهما بدت الاوضاع صعبة وسيئة اليوم. فمسار التاريخ يعاكس موسكو وطهران و... القرداحة !