الرئيس أوباما : يا ثوار مصر رسالتكم لم تصلنا بعد !

الصفحة الرئيسية » كتاب أمل الأمة

 

الثلاثاء

14 فبراير 2012

 

بقلم- أ. د. محمود ماضي:

 

صيحات الثوار في ميدان التحرير - ومصر كلها ميدان التحرير - سمعها العالم  شرقه وغربه شماله وجنوبه،  وأدرك الجميع أن زلزالًا وقع في مصر، ثورة الشعب وكما قال شوقي:

 

 يفصلها إلى الدنيا بريد  *  ويجملها إلى الآفاق برق

 

وطبعًا المقصود الفضائيات التي أحالت العالم إلى قرية صغيرة

 

لم تصل أنباء الثورة إلى الإدارة في أمريكا وألمانيا، فأصروا على اتباع ذات النهج الذي كان متبعًا مع  النظام البائد حيث طأطأة الرأس ذلًا وخنوعًا وهوانًا. فالإدارة الأمريكية لا ترى إلا ما تحب أن تراه، ولا تسمع إلا ما تريد سماعه، فيما يقول الأمريكي جون اسبيزيتو.

 

  تابعت مع غيري المؤتمر الصحفي الذي عقده قضاة التحقيق المصريون حول تورط  بعض المنظمات الأمريكية في عمل سياسي تحت غطاء العمل الخيري،  ونشر الديمقراطية، ودخولهم البلاد بطريقة غير شرعية، فضلًا عن أموال منحوها لمنظمات مصرية بغرض إثارة الفتنة والفوضى للتأثير على مسيرة الثورة .

 

جاء رد الفعل الأمريكي  متوترًا وغاضبًا وكان التهديد بقطع المعونة الأمريكية عن مصر هو أمضى أسلحتهم التي شحذوها في وجه الشعب المصري. 

 

بعض الصحف الأمريكية وصفت الموقف المصري ب " قلة الأصل"، فهل أن نسترد كرامتنا  التي أهدرها النظام البائد تعد قلة أصل ، فماذا نسمّي وقاحتكم وتطاولكم علينا ؟ أنسميها "قلة أدب" ؟!

 

قلة أصل  أننا نسينا  معونتكم  ( 1.3) مليار دولار، الشعب المصري لم ينسَ،  ولكنه أيضًا لم ينس قصة بناء السد العالي وامتناعكم عن تمويله، إلا بشروط مذلة ومهينة، فبناه الشعب من قوت يومه، والشعب على استعداد الاستغناء عن معونتكم.

 

الشعب لن ينسى لكم وقفتكم  المنحازة إلى إسرائيل  180 درجة  عام 1967، ولن ينسى تهديدكم لجيشنا عام 1973 وإقامتكم جسرًا جويًا لإسرائيل؛ لإنقاذها من  هزيمة محققة على يد الجيش المصري البطل، ولن ننسى لكم توريطكم للرئيس السادات في كامب ديفيد حتى أفرغتم انتصارنا من جوهره ومضمونه.

 

لهذا كله فإنّ قطاعات واسعة من الشعب لا تثق بكم، فقد كنتم الحضن الآمن  والدافئ لنظام "مبارك" الجائر المستبد، وما زالت تداعبكم الأماني والأحلام  ببقاء هذا النظام، وبدون "مبارك" حتى تضمنوا استمرار أمن إسرائيل وعلى يد المصرين .

 

ونسأل : هل تقبل الولايات المتحدة الأمريكية ما قامت به هذه المنظمات من انتهاك لسيادة مصر هل تقبل هذا على أراضيها؟  بالقطع لا تقبل ، فلماذا تريد لنا قبول مالا تقبله لنفسها ؟ لماذا تريد من مصر الثورة أن تكون البلاد مرتعًا خصبًا  للتآمر على أمنها القومي والاجتماعي، وعلى وحدة أراضيها ولحمة شعبها ؟ أمن أجل معونة قدّم النظام البائد أضعافها خدمة لأمريكا في العراق، والخليج، وأفغانستان،  وعلى حساب أمتنا العربية.

 

ولو أنّ الأمريكيين صادقون في دعواهم نشر الديمقراطية لانتظروا قليلًا حتى ينتهي التحقيق مع عملائهم وقائدهم  سام لا هود -رئيس المؤسسة الديمقراطية  الدولية-،ولكنها وقاحة "دالاس" ،و"أولبرايت" و"كيسنجر" وكونداليزا رايس.

 

ومن حقنا أن نتساءل: ما علاقة  العمل الخيري ونشر الديمقراطية بتصوير  الكنائس وتحديد أماكنها وحصر عددها ؟  وما علاقة هذا أيضًا بتحديد مواقع القوات المسلحة المصرية في مدن القنال ؟ أليس هذا عملًا تجسسي  على أمننا القومي  لصالح جهات أجنبية؟ أم أنه عمل خيري في عرفكم ؟

 

وكيف نفسر وجود خرائط تقسم الوطن الواحد إلى أربعة أقسام  محددة المعالم؟

 

سؤال آخر وحسبما قيل :  بلغ حجم  الأموال التي ضختها هذه المنظمات الأمريكية إلى منظمات مصرية في الفترة من 2006- 2010 مبلغ 60 مليون دولار،  وفي سنة واحدة هي عمر الثورة المصرية قفز هذا المبلغ الى 400 مليون دولار، فهل هذا السخاء حبًا في الثورة ودعمًا للثوار أم ماذا؟!

 

أريد القول إنّ الإدارة الأمريكية قبلت الثورة على مضض وبلعوا ألسنتهم، وتجرعوا مرارة خلع مبارك، على أن يدعموا الثورة المضادة حتى يظل نظام مبارك بلا مبارك،  وإلا كيف نفسر ما ارتكبته هذه المنظمات في حق بلادنا؟

 

الثورة المصرية عصيّة عليهم فقد انحرفت عن  المسار الذي أراده لها توني بلير  - الكاره والحاقد على كل ما هو إسلامي وعربي وفلسطيني- حين صرح  في مطلع ثورتنا : "إن أي  تغيير تؤدي إليه الثورة يجب أن  يكون متحكمًا به ومنضبطًا وفق المصالح الاقتصادية والاسترتيجية  الغربية"، فهل انحرافها  أدّى إلى محاولة الانتقام منها، وإعادة الشعب المصري إلى الحظيرة الغربية الأمريكية، فكانت محاولات المنظمات الأمريكية والألمانية التجسس وإثارة الفوضى دعمًا لثورة مضادة ؟

سلسلة من  الضغوط، والتحذيرات، والتهديدات من جانب الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي  لمصر،  وحتى الآن المجلس العسكري يعبر عن الثورة فقد رفض هذا التهديدات، وأعلن أنه لن يرضخ، ولن يكون سببًا في تركيع الشعب المصري مرةً أخرى، حتى لو قطعوا معونتهم؛ ومما زاد موقف العسكر إصرارًا ما كشفت عنه التحقيقات، ووجود خرائط  لتقسيم مصر إلى أربعة كيانات !

رسالة الثورة لم تصلهم بعد، كما أنهم لم يستوعبوا الدروس والهزائم التي لحقت بهم في العراق، وأفغانستان، والصومال،  فالعصر هو عصر الشعوب، دولة فقيرة وصغيرة في جنوب مصر اسمها أريتريا رفضت المعونة الأمريكية، وما يسمى بمنظمات المجتمع المدني، واعتمدت على  مواردها الذاتية، والتي لا تقارن بإمكانات مصر  الدولة الكبيرة العظيمة رغم الملمات والمحن.

آخر الكلام : إذا أرادت أمريكا ضمان مصالحها في شرقنا العربي، وعلاقات سوية ومحترمة وندية مع مصر، فعليها أن تدرك وتستوعب أنّ مصر الثورة غير مصر "مبارك" ووريثه "جمال" .

اللهم احفظ بلادنا مصر من كل سوء، واربط على قلوبنا كما ربطت على قلوب أهل الكهف.