اصداف

الأميركيون والعراقيون والدعارة

 

شعرت بصدمة كبيرة، عندما أخبرني الصديق المخرج العراقي حسين الاسدي عن سؤاله وعائلته، من قبل مسؤول اميركي يقابل العراقيين الراغبين بالهجرة إلى الولايات المتحدة، فقد وجه إليهم هذا الاميركي المتحضر سؤالا نصه (هل ستمارسون الدعارة في اميركا؟)، يقول الاسدي تصورت أن سمعي قد اختلطت عليه الحروف، ومن شدة الصدمة التفت إلى زوجته وابنتيه والاولاد فاغرا فاهه، يستنجد بهم ليقولوا نص ما استمعوا إليه من هذا الاميركي، فهزوا رؤوسهم والخجل يجللهم، والصدمة تشبه الترويع الذي جاء بهم الاميركيون للعراق قبل تسع سنوات.

رد العراقي الاسدي على هذا الاميركي الوقح القبيح بما يستحق من كلام على تجاوزه على ابناء العراق، ولم يتردد في قول كل ما استحضرته ارادته العراقية، قال كلمات تليق بهذا الاميركي الدنيء، ثم سحب افراد عائلته وقلبه مليء بالحنق على اميركا والاميركيين، وقبل ان يغادره شدد على القول له (لو تبقى اميركا لوحدها فوق المعمورة لن اتشرف بالهجرة إليها).

هذا الكلام حصل في مقر دائرة الهجرة الدولية في العاصمة الاردنية، وعندما سألت بعض العراقيين الذين رفضوا الذهاب الى اميركا عن هذه الواقعة، تبين ان الاميركيين الوقحين يوجهون هذا السؤال إلى جميع العراقيين، الذين يحصلون على اللجوء إلى الولايات المتحدة عن طريق منظمة الهجرة الدولية، ويقابلهم مسؤول اميركي كبير لكي يطرح عليهم هذا السؤال القبيح، والماء ينضح بما فيه كما قالت العرب.

في ندوة اقيمت ببيروت عام 2007 ، القيت محاضرة عن الاحتلال الاميركي والمقاومة العراقية، ومن بين النقاط التي تحدثت عنها في تلك الندوة، كيف بدأت القوات الاميركية في تنفيذ سياسة تخريب اخلاقيات المجتمع العراقي، وكان العمل يسير باتجاهين منذ بداية الاحتلال عام 2003، الاول تقديم مختلف الاغراءات لبعض الفتيات العراقيات للعمل بصفة موظفات في المنطقة الخضراء وفي القواعد الاميركية، او مترجمات مع القطعات الاميركية، ولم نكن نعرف بالضبط لماذا استهدف المقاومون في وقت مبكر هذه الفئة من المجتمع العراقي، اذ تردد كثيرا عن رمي رسائل امام بيوت هذه الفتيات او النساء، وتحمل هذه الرسائل تحذيرات بالقتل في حال استمرن بالعمل مع قوات الاحتلال الاميركية وحصل الشيء ذاته مع العاملات في البصرة والعمارة مع القوات البريطانية، وكان التحذير يقول ان ثلاثة تحذيرات ستصل للفتيات بعد ذلك يكون القرار الاخطر، وانصاعت البعض منهن لتلك التحذيرات في حين اصرت البعض منهن للسير في هذا الطريق، وسرعان ما بدأت مظاهر البذخ على العاملات مع القوات الاميركية والبريطانية، ولم يترددن في محاولات اغواء الاخريات للعمل مع القوات المحتلة، وقبل ان يمر وقت طويل حتى تصدى المقاومون الافذاذ لكل من سولت لها نفسها وعملت مع الغزاة المجرمين، وقلت في تلك الندوة ان المقاومين افشلوا في وقت مبكر مشروع تخريب البيت والاسرة العراقية، بتصديهم لهذا السوس الذي زرعوه وعملوا على تقويته بكل ما يستطيعون، وفي واقع الحال اراد الاميركيون وضمن اجندة الاحتلال ان تصبح الفتاة العاملة والمتعاونة معهم هي النموذج في المجتمع العراقي، ابتداء من مظاهر الرفاهية السريعة وصولا إلى المرامي والاهداف الاخرى، ولو سار هذا المخطط دون ردع موضوعي واسع لانتشرت واحدة من اخطر الظواهر المجتمعية في العراق، اما الخط الثاني فقد تمثل بالعمل على انشاء منظمات حرية المرأة في العراق، واوكلت هذه المهمة الخطيرة إلى (سياسيين) جاؤوا مع الاحتلال الاميركي، وحدثني عن هؤلاء الادوات بأسمائهم السياسي العراقي الاستاذ صلاح عمر العلي، وكانت لديه معلومات تفصيلية وخطيرة عن هذه المنظمات، التي جرى الاعداد لبرامجها منذ وقت طويل قبل الغزو الاميركي للعراق، وحاولت هذه المنظمات استقطاب شريحة من الفتيات والنساء العراقيات، ولكن الذي افشل هذا المشروع الوعي العراقي، اذ سرعان ما انفضت النسوة من حول هذه المنظمات، بعد ادراكهن للنوايا السيئة والمبيتة لها وللقائمين عليها والواقفين خلفها.

بعد ان فشلت مخططات ونوايا الاميركيين في العراق في العبث كما يريدون في النسيج الاخلاقي العراقي، تراهم يتصرفون بهذه الطريقة القبيحة مع العراقيين الذين يريدون الهرب من بلدهم بعد ان حوله الاميركيون وادواتهم السيئة والقبيحة إلى جحيم، ويلقون على الرجال والنساء هذه العبارات الوقحة، التي لم نسمع باستخدامها من قبل اي دبلوماسي او موظف صغير او كبير في المنظمات الدولية والسفارات في مختلف ارجاء المعمورة.

 

وليد الزبيدي

كاتب عراقي

wzbidy@yahoo.com