سياسة واشنطن التدميرية

 

02/02/2011

 

 ينطبق على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة المثل القائل" أراد ان يكحلها أعماها", فمنذ أوائل خمسينات القرن الماضي لا تكاد تخرج واشنطن من أزمة إلا وتقع بأختها الأشد تعقيدا, ولذلك تتقهقر مصالحها في الشرق الاوسط وأفريقيا, وتخسر مزيدا من الحلفاء وتزيد الاعداء, فهل باتت زعيمة العالم الحر - كما تسمي نفسها - متخصصة بجلب الويلات والعمل ضد مصالحها?

لم تتعلم الادارة الأميركية طوال نصف قرن من الدروس السابقة, وكيف أنها ساعدت على زعزعة الأمن والاستقرار في العالم, ونشرت التطرف وأوجدت حاضنات للارهاب, فكانت النتيجة أحداث 11 سبتمبر عام 2001 المستمرة في التفاعل حتى يومنا هذا.

استخدمت واشنطن شعار الدفاع عن حقوق الانسان وحماية الحريات والديمقراطية ومؤازرة الشعوب كوسيلة للضغط على الحكومات لتقديم المزيد من التنازلات في ملفات خارجية لاعلاقة لها بتلك الشعارات, من دون ان تدرك مدى خطورة استخدامها لسلاح ذي حدين سيجر عليها الازمات ويفقد الحكومات والشعوب الثقة بالدولة التي تعتبر نفسها رائدة الديمقراطية, ففي مطالع خمسينات القرن الماضي استخدمت هذه العناوين لاسقاط النظام الملكي الليبرالي المصري وأتت بجمال عبد الناصر الذي سرعان ما انقلب عليها, وبنى تحالفات مضادة لها وأشاع الكراهية للأميركيين, ورغم ذلك كررت التجربة ذاتها مع ايران حين شجعت الملالي على إسقاط الشاه, وأتت بالخميني, فقام نظام متطرف أجج العداء لها وساعد الكثير من الحركات المتطرفة دينيا والارهابية, وأكثر الأمثلة وضوحاً على تلك الجماعات "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزة, ولا ننسى ما فعلته هذه السياسة المتناقضة من إثارة للنعرات واضعاف الدولة في باكستان واشعال الصراع بينها وبين الهند.

واشنطن في هذا الحَوَل السياسي, أذكت الفتن الطائفية والمذهبية وأضعفت الدول, ما أدى الى انتشار الكراهية لها, من دون ان تقدم أي حل للقضايا الاساسية التي تتنطح وتتحدث عنها ليلا ونهارا, وأولها قضية إحلال السلام العادل في المنطقة, إذ تتغاضى عن الممارسات الاسرائيلية الارهابية اليومية على الفلسطينيين والمجازر التي ترتكب ضدهم ومحاولات طردهم من أراضيهم, ما جعلها دولة تكيل بمكيالين وغير جديرة بالثقة ومكروهة.

طوال العقود الماضية كانت واشنطن تساعد على إيجاد الحاضنات الفضلى للارهاب, وفي الوقت نفسه تصرخ مما يتسبب به من ألم لها, وتمنع معالجة الظواهر التي تساعد على تشكيل هذا المناخ الملوث الذي دفعت المنطقة ثمنا غاليا فيه, و لم يؤد ذلك الى ان تتعلم الادارات الاميركية المتعاقبة أنها تخسر الحلفاء واحدا تلو الآخر, وتدمر الجسور بينها وبين الشعوب, ولذلك ليس غريبا ان نرى الموقف الاميركي غير المستقر مما يجري في مصر, فكل ساعة هناك موقف وكأن إدارة أوباما إدارات وليست صوتا واحدا, ومصابة بانفصام شخصية, وليس كما يفترض ان تكون عليه دولة كبرى, تتحدث صبح مساء عن مصالحها وضرورة الحفاظ عليها وضمانها إلا ان الاحداث أثبتت ان المصالح الستراتيجية تلك ليست إلا لازمة تُحشر في كل تصريحات المسؤولين الاميركيين فقط لرصف الكلام, ما يساعد على زيادة القلاقل الأمنية والفوضى في المجتمعات.

كنا نتهم العرب في الماضي أنهم من أكثر شعوب العالم خيالا وإبداعا للمصطلحات, لكن اتضح ان الادارات الاميركية المتعاقبة هي صاحبة السبق في اختراع المصطلحات العبثية غير الواقعية, ومن الامثلة على ذلك "الفوضى الخلاقة", هذا المصطلح الذي يستهدف في نهاية المطاف إفقار الدول وهدم إنجازاتها الاقتصادية, وإشاعة الخروج على القانون وإفساح المجال للعصابات وكارتلات المخدرات والقرصنة وأعمال النهب والسلب والسطو على البنوك, وفتح أبواب السجون والتصفيات الجسدية في الشارع, كما هو حاصل في أفغانستان والصومال, وكما يجري الآن في عدد من الدول التي تمارس واشنطن على حكوماتها الضغوط الهائلة لمنعها من فرض النظام العام, وكل هذه الظواهر المزعزعة لاستقرار الدول من انتاج "الفوضى الخلاقة" بل الفوضى الهدامة... فهل تريد واشنطن ان تغرب شمس الاستقرار عن المنطقة العربية وتسود عتمة التطرف, وتصبح الشعوب أسيرة الارهاب?

هذا هو السؤال الكبير والخطير!

 

  أحمد الجارالله