عندما ينقلب السحر على الساحر في إيران

 

الافتتاحية

 

أخيراً شرب نظام طهران من الكأس ذاتها التي كان لسنوات طويلة يسقيها لشعوب عدد من الدول, وبدأت أعماله الشريرة ترتد عليه, فالتفجير الأخير الذي حصد مجموعة من قادة الحرس الثوري في مدينة بيشين كان من النوع نفسه الذي مارسه هذا الحرس في غير مكان من العالم.

المراقب للوضع الإيراني لا يستغرب كثيراً ان تكون الحلول دموية وبهذه البشاعة, فالنظام الحالي قام على جماجم عدد كبير من أبنائه, ولاتزال أحداث السنوات الأولى للانقلاب على الشاه ماثلة في أذهان الجميع حين عمت موجة التفجيرات إيران من شمالها إلى جنوبها بينما كانت »السافام« تنشط في أكثر من مكان من العالم, بدءاً من لبنان الذي جعلت من بعض مناطقه أقبية للرهائن الغربيين الذين خطفوا في بيروت في الثمانينات من القرن الماضي, أو الأعمال التخريبية التي نفذتها الخلايا الإيرانية في عدد من العواصم العربية والأجنبية.

 

ألم يدر في خلد قادة التفخيخ والتخريب الإيرانيين, حين لجأوا إلى أسلوب إرهاب الدولة في التعاطي مع كثير من دول الجوار والعالم, ان السحر لابد أن يرتد يوماً على الساحر? ربما تكون العنجهية الإمبراطورية قد أعمت البصيرة السياسية للنظام الذي يعتقد قادته أنهم يستطيعون إخضاع الناس بالقوة, رغم أنهم لا  يستطيعون حسم امر انتخاباتهم الاخيرة التي لا تزال نارها تعس تحت رماد الصراع على السلطة ولذلك كان الحديد والنار اسلوبهم في التعاطي مع هذه القضية, وفي محاولة لاخفاء عورتهم الدموية كعادة كل أنظمة القمع والارهاب يلجأون الى الاتهامات الجاهزة المعلبة فيلقون بالمسؤولية على هذه الدولة وتلك بناء على نظرية المؤامرة الممجوجة.

 

غالبا ما يعتقد قصير النظر ان ما يفكر فيه او يفعله لن يقدم عليه غيره ولهذا ربما يتناسى قادة الارهاب  في ايران عن عمد ان محاولاتهم البائسة لما يسمونه »تصدير الثورة« باتت مكشوفة للجميع ولقد خبرها العالم اجمع عبر اثارتهم القلاقل في المغرب ومصر وصولا الى اعماق افريقيا, وطوال العقود الثلاثة الماضية كانوا يحاولون جعل العالم العربي حديقة خلفية لصراعاتها مع العالم فيفتعلون المشكلات والحروب, ففي الوقت الذي تجهد طهران الى فرض امر واقع التقسيم في لبنان عبر جعل »حزب الله« دولة خارجة عن الدولة اللبنانية ها هي في اليمن تشعل حربا اهلية عبثية لا طائل منها الا التخريب والتقتيل بين ابناء الوطن الواحد, وفي فلسطين جعلت من »حماس« حصان طروادة لتقويض القضية الفلسطينية فيما كانت وفود ايرانية تجتمع سراً الى وفود اسرائيلية في اماكن عدة من العالم, وآخرها الاجتماع الذي عقد في القاهرة بشأن الملف النووي الايراني, بينما تتاجر بكل صفاقة بشعار تحرير فلسطين, و في كل ذلك يبقى العراق حالة خاصة لما فيه من تدخل ارهابي وسياسي ايراني فج في كل صغيرة وكبيرة في هذا البلد الذي أثخنته جراح الحرب الى درجة اضمحلال الدولة.

 

لم تعد تجارة الدم التي تمارسها طهران تقنع أحداً لقد انكشفت كل أدواتها ممن جعلوا من أنفسهم أدوات طيعة ومأجورة لنظام شرير, ورغم ذلك بما تمارسه من تخريب في العالم فها هي توظف خلاياها من غير الإيرانيين في عدد من دول أميركا اللاتينية في عمليات تبييض الأموال الناتجة من الأعمال القذرة التي تمارسها استخباراتها في تهريب المخدرات التي تشرف على بعض مزارعها في أفغانستان حيث تتحالف مع تنظيم »القاعدة« و»طالبان« في محور من أخطر محاور الإرهاب.

إذا كان نظام الملالي في إيران يريد أن يحكم بالإسلام الصحيح لماذا لم يوظف الثروات التي أهدرها على الإرهاب وتخريب الدول وقتل الأبرياء في استثمارات مشتركة مع تلك الدول أليست التنمية من الإسلام الصحيح? لكن من الواضح ان كل الشعارات التي يستتر خلفها هذا النظام ليست إلا لذر الرماد في العيون, وها هو الآن يدفع ثمن إرهابه من الفعل نفسه, لأن العقاب من جنس العمل.

 

أحمد الجارالله