نظرية المؤامرة * صباح الخيشني

 

13/06/2008 الصحوة نت – خاص

 

نعتقد نحن المسلمون أن هناك مؤامرة كبيرة تحاك ضدنا أو حيكت عبر عقود من الزمن بدءاً بمؤتمر بال للصهيونية بسويسرا 1897وخرج بأوراق حكماء صهيون التي جعلت من اليهود أسطورة في التخطيط ثم في التنفيذ على أيدينا وبأفكارنا بارك الله فينا، ومنذ ذلك الإصدار الذي ترجم إلى اللغة العربية وذاع وانتشر، تجاررت بعدها مسميات نظرية المؤامرة من سايكس بيكو وصولا إلى الفوضى الخلاقة ومؤامرة احتلال العراق، وانطلاقا من المؤامرة السياسية كان المجتمع أيضا ككيان بحاجة إلى مؤامرة أخرى فخرجت المؤامرة الفكرية ضد المرأة، ثم الشباب والأطفال، ونحن من مصيبة إلى أخرى... والسبب هو المؤامرة.

هولاكو وجنكيز خان عاثا في بلاد المسلمين فسادا ولم ترتبط قوتهما مع ذلك بنظرية المؤامرة، لأنهم امتلكوا القوة فقط ولم يمتلكوا شيئين هامين ترتكز عليهما النظرية هما الموروث الفكري والتاريخي للأمة المُؤتَمِرة، والثاني التفكير الاستراتيجي للمؤامرة وما بعدها...

إن أي أمة قوية ترى من أن حقها تأمين مصالحها وذلك بالتمدد خارج حدودها كما تفعل أمريكا الآن، نظرية القوة تقول أن الأقوى هو من يفرض تاريخه وثقافته واستراتيجيته على الأمم الأضعف، وقراءة التاريخ خير دليل على ذلك فمع امبراطورية أثينا كان الأغريق هم مصدر الأساطير والفلسفة والقوة العسكرية التي اجتاحت الأرض، وصنعت لنفسها مجدا عظيما لا تزال آثاره ظاهرة حتى اليوم، وهكذا ميزان القوة يمضي للأمام فارضا على الآخرين ما يعتقدون أنه مؤامرة، وحين كان المسلمين هم القوة السائدة اعتقدت ممالك أوروبا أن المسلمين يحيكون ضدها المؤامرات للاستيلاء على بلادهم وثرواتهم، وتبديل عقائدهم.

الزحف الإسلامي لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عقيدة التوحيد لم تأخذها الشعوب هكذا من أول وهلة، وكان اعتقاد كل أمة أنها مؤامرة تحاك على مقدساتهم وخيرات بلادهم، حتى في القرآن في حوار فرعون ووزرائه، عن سيدنا موسى، وكذا قوم سيدنا إبراهيم وغيرهم من أنبياء الله وخاتم الأنبياء والمرسلين عليهم جميعا أفضل الصلاة وأزكى التسليم أخذ حوار القوم منحى المؤامرة.

وعلى ما يبدوا أن كل شيء جديد لم يعهد به الناس أو كل ما يخالف ما اعتادوا عليه يصفونه بالدخيل أو يردونه إلى نظرية المؤامرة، ولكم أن تروا معي انعكاسات ذلك داخل المجتمعات ذاتها وعلى مستوى المجتمع الواحد، فالحكومات الديكتاتورية والمتسلطة ترد كل ما يخالف محاولاتها في السيطرة والنفوذ أنه مؤامرة ضد مصالح الدولة وأمن البلاد، يحيكها أعدائها من الداخل والخارج.

حتى أصبحت نظرية المؤامرة شماعة تعلق عليها المجتمعات الضعيفة -ونحن أهمها- نكباتها وتراجعها، وأمراضها الداخلية ومشاكلها، وكل ما يحدث نتيجة السياسات الخاطئة إنما هو مؤامرة ضد النظام، الموضة مؤامرة وقصات الشعر مؤامرة، حتى حرية التعبير لا تخرج عن إطار المؤامرة...؟؟

حتى على مستوى الأسرة الواحدة هناك دائما من يتآمر ضد عاداتها وأعرافها وزعاماتها التقليدية، وربما ضد مستقبلها القيادي، إنها ليست نظرية عابرة للقارات بل أيضا عابرة للعقول البشرية في كل زمان ومكان وعلى كل المستويات.