أمريكا والصين
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
تعتبر الصين المحطة المهمة في الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي لآسيا مؤخراً. ورغم تشديد باراك أوباما، الذي يسميه الصينون بالاكي اوباما، على علاقات الشراكة مع الصين فإن التنافس بين البلدين لا يخفى على أحد. فالصين هي المنافس القوي للولايات المتحدة في المستقبل. والأمر هنا لا ينحصر في المجال الاقتصادي وحده. فالتنين الأصفر إذا ما نجح خلال الخمسة والعشرين عاماً القادمة في المحافظة على وتائر نموه المرتفعة فإن الصين سوف تصبح حينها الاقتصاد الأقوى في العالم بلا منازع.
ولكن ما الذي يعنيه لنا وللعالم تبؤ الاقتصاد الصيني مركز الصدارة؟
ان الإجابة على هذا السؤال مهمة جداً. ولكن قبل ذلك دعونا نستوضح بعض الأسباب التي أدت إلى انتقال الصين إلى وضعها الحالي. ولنبدأ بالأسباب العامة التي قادت إلى تشكل تلك المجموعة المتميزة التي صارت تعرف بالنمور الصناعية. فهذه المجموعة قد برزت إلى حيز الوجود جراء عدة عوامل لعل أهمها:
1- وجود توجه قوي للتحول من مجتمع تقليدي إلى مجتمع عصري حديث.
2- التضحية بالحاضر من أجل المستقبل. ففي خلال الأربعين عاما الماضية شقي جيل بكامله، في الصين، ماليزيا، كوريا، سنغافورة وغيرها من النمور الآسيوية، وتعب عملاً وكدحاً حتى بنى الأساس القوي للاقتصاد الذي ينعم بثماره الجيل الحالي في تلك البلدان.
3- نشاط الشركات متعددة الجنسية وعزمها على استغلال رخص اليد العاملة في جنوب شرق آسيا لتعظيم الأرباح التي تحصل عليها.
أما النموذج الصيني فإنه يضيف إلى العوامل المشار إليها أمرا مهما آخر وهو أن التحولات الجارية فيه تسير بقيادة القطاع الحكومي وليس الخاص. وهذا أمر جديد ومهم في نفس الوقت. فرغم أن التطور في جميع بلدان جنوب شرق آسيا قد اعتمد في البداية على دعم القطاع الحكومي للتحولات الجارية إلا أن هذا الدور بدأ في التقلص بداية التسعينيات من القرن المنصرم، وذلك انصياعاً للمبادئ التي فرضها "إجماع واشنطن".
ولهذا فإذا ما استمر القطاع الحكومي الصيني، خلال الخمسة والعشرين عاماً القادمة في لعب الدور الريادي الذي يلعبه في الوقت الراهن، دون أن ينعكس ذلك بشكل سلبي على معدلات النمو الاقتصادي، فإن هذا الأمر سوف يفرز معادلة جديدة ومفهوما جديدا يناقض "إجماع واشنطن". فمن المعلوم أن العالم الصناعي قد تخلى منذ نهاية الثمانينيات بداية التسعينيات الماضية، تحت تأثير المدرسة النقدية وغيرها من المدارس الاقتصادية الليبرالية الحديثة، عن الكثير من الاطروحات الاقتصادية التي كانت تعطي فيما مضى أهمية كبيرة للسياسة المالية.
من هنا فإذا ما نجحت الحكومة الصينية خلال الفترة القادمة من إكمال التحولات الاقتصادية بنجاح فإن ذلك سوف يعطي أهمية كبيرة لدور القطاع الحكومي وللسياسة المالية في الاقتصاد. وهذا أمر على درجة كبيرة من الأهمية. فكم عانينا نحن في المملكة، خلال السنوات الماضية، من ضغوطات المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية بهدف تقليص الإنفاق الحكومي وتقليل تدخل القطاع الحكومي في الاقتصاد.
ورغم أن تلك الضغوط قد خفت على أثر الأزمة الاقتصادية وبرامج الإنقاذ الحكومية التي أقرتها مجموعة العشرين لمعالجة الركود الاقتصادي، فإن أحدا لا يمكن أن يضمن عدم عودة تلك الضغوط من جديد بعد معاودة الاقتصاد العالمي لنموه.
ولكن الصين ممكن أن تقول في هذا الشأن الكلمة الفصل. فالنموذج الصيني ما لم يتعرض خلال الفترة المقبلة إلى انتكاسة خطيرة فإن الصين سوف يكون بإمكانها فرض نموذجها وبسط هيمنتها وإرساء مبادئ التطور الاقتصادي والسياسي العالمي كما فرضتها الولايات المتحدة في "إجماع واشنطن".