إضاءة..من هو تشافيز؟
بقلم : ريم الحرمى
لقارة أمريكا الجنوبية وأمريكا اللاتينية مكانة خاصة ومتميزة على خريطة العالم، تلك القارة جمعت متناقضات جميلة وأخرى ليست كذلك، فعلى سبيل المثال بينما هنالك فقر مدقع في أحياء يتشابك بها "الصفيح" المكون من منازل الفقراء، هنالك أيضاً ثراء فاحش وناطحات سحاب تبعد أمتاراً عن مدن الصفيح تلك، ولا عجب في ذلك فأمريكا اللاتينية تعتبر من أوائل القارات في حجم الهوة والفجوة الاقتصادية والتقسيم الواضح في الطبقات ما بين فقراء ومتوسطي الدخل وفاحشي الثراء.
وكذلك وفي ظل المتناقضات التي تشهدها تلك القارة المثيرة فهنالك ارتفاع ملحوظ في ارتكاب الجرائم والعنف، ويرجع ذلك لأسباب عدة أبرزها: عدم وجود "عدالة اجتماعية"، الحروب الأهلية والنزاعات التي دمرت الدول، ارتفاع معدل البطالة، وتزايد توافر المخدرات والأسلحة، بالتالي بروز جماعات مسلحة وتجار مخدرات، بالإضافة الى عوامل أخرى كثيرة ساهمت في جعل دول كثيرة من دول أمريكا اللاتينية بؤراً للجرائم والعنف الدموي شبه اليومي، لكن هذا الأمر في الوقت ذاته لم يمنع بروز شخصيات وأسماء لامعة من أمريكا اللاتينية خلدها التاريخ ففي الأدب هنالك غبريلا ميسترال من تشيلي، وتعتبر أول من يفوز بجائزة نوبل من أمريكا اللاتينية عام 1945، وفي الفن هنالك فريدا كاهلوودياغوريفيرا، أما في السياسة فهنالك الثوري تشي جيفارا، وفيديل كاسترو، وسيمون بوليفار السياسي والقائد العسكري الفنزويلي الذي حرر أمريكا اللاتينية من الإمبراطورية الإسبانية حتى إنه كان يسمى جورج واشنطن اللاتيني، وفي الرياضة هنالك بيليه، وهنالك المئات من الأسماء والشخصيات من تلك القارة التي غيرت التاريخ، وساهموا في مجالهم وتخصصهم الى هذا اليوم.
لا يمكننا ذكر تاريخ أمريكا اللاتينية ولا يكتمل الحديث عنها إلا بذكر هوغو تشافيز رئيس فنزويلا الذي رحل عن هذه الدنيا منذ أسبوع، رحل ولم ترحل قصصه وشخصيته التي يتحدث عنها الجميع إما بإعجاب وتقدير وإما بتهكم وسخرية وكراهية، بسبب مواقف هذا الرجل الذي قد يحتار البعض كيف يصنفه ويرجع ذلك لمواقفه المتداخلة والمتناقضة في آن واحد.
تشافيز على المستوى الاقتصادي كان اشتراكياً كارهاً للرأسمالية التي تتبعها الولايات المتحدة على سبيل المثال ، أنقذ الكثير من الفقراء من فقرهم بسبب سياسته الاشتراكية وتوزيع ثروات البترول بالعدل، على الورق يبدو هذا التوزيع منصفاً، لكن في الواقع والتطبيق ليس كذلك، فتشافيز كان مثل من يعطي السمك للرجل بدل من أن يعلمه كيف يصطاد، لذا فخطته الاشتراكية تلك أضرت بالتجار وأصحاب المشاريع بسبب صلاحيات ورقابة الدولة على الاقتصاد بالإضافة الى نظام التأميم الذي أضر بفنزويلا وقطاعها النفطي، بل وبالقطاع الاقتصادي بمجمله حيث عصفت بفنزويلا مشاكل اقتصادية جمة لم تتعاف منها حتى الآن وتتراوح هذه المشاكل ما بين ارتفاع معدلات التضخم، وازدياد معدلات البطالة، بالإضافة الى انكماش اقتصاد فنزويلا المتذبذب، ولم يحسن نظام تشافيز الاشتراكي كثيراً في الاقتصاد الفنزويلي رغم محاولاته المضنية.
أما سياسياً عرف بشخصيته الكارزمية، ومعاداته للإمبرالية والرأسمالية الأمريكية لكنه يبيع البترول لها، كذلك فتشافيز كان مقرباً من الأسد ومقرباً من أحمدي نجاد وفيديل كاسترو في كوبا، بالإضافة إلى أنه في انتقاد مستمر ودائم للولايات المتحدة وحربها على العراق وأفغانستان، ووصل الأمر بهوغو تشافيز بأن يلقي خطاب باللغة الإسبانية يهاجم فيه الولايات المتحدة ولا ينبس بجملة واحدة إنجليزية إلا حينما قرر أن ينعت جورج بوش بـ"الحمار"! وهذا النعت ليس مستغرباً على تشافيز فهو يرتجل كلامه وخطاباته الثورية والتي تخلو في كثير من الأحيان من أي لغة دبلوماسية في التخاطب. كذلك فالبعض يرى في تشافيز إنسانا لا رئيس دولة فحسب، ففنزويلا من أوائل الدول التي طردت السفير الإسرائيلي من على أراضيها وسحبت السفير الفنزويلي من إسرائيل بعد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009 بل وفي نفس العام اعترفت فنزويلا بفلسطين كدولة لها استقلاليتها، مواقف تشافيز جعلت الكثير خصوصا في العالم العربي يتعاطف معه و"يترحم عليه" بسبب مواقفه تلك، لكن هنالك من يقول إنه لم يتخذ تلك المواقف السياسية المعادية إلا تنكيلاً بالولايات المتحدة لا أكثر.
ها قد رحل تشافيز بعد معاناة مع المرض، وخلال ثلاثين يوماً سوف تبدأ انتخابات حكومة جديدة برئيس جديد، وعلاقات أخرى جديدة داخل أمريكا اللاتينية نفسها والتي من المرجح أن يكون النجم البارز فيها الإكوادور ورئيسها رافييل كوريا، لكن كوريا لا يتمتع بنفس شعبية تشافيز ولا تملك الإكوادور نفس حجم الاحتياط النفطي الذي تملكه فنزويلا، كذلك فعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة "على استعداد" بفتح صفحة جديدة مع فنزويلا التي لطالما كانت في خلاف دائم ومستمر معها.
هنا لنا أن نتصور كيف أن شخصا مثل تشافيز قسم أناسا وجمع أناسا آخرين حوله، بسبب سياسته وهنالك الكثير غيره من اليمنيين واليساريين، والاشتراكيين والرأسماليين، الذين ينقسم حولهم الناس بين مؤيد ومعارض، لكن ما يهم أن لا نجعل من الرؤساء آلهة لهم قدسيتهم ، فكما هي النهاية المحتومة، الرؤساء يرحلون ويبقى الشعب وتبقى الدولة، فهل نعي أهمية دولة المؤسسات لا دولة الأفراد والأحزاب والائتلافات؟ وهل تستطيع فنزويلا تغيير هذه الإيدولوجيات التي باتت سمة بارزة في مختلف الدول والقارات، أم سوف ينبثق من هذه الانتخابات المقبلة تشافيز آخر؟.
reem.alharmi@gmail.com