ماذا فعل
"كيري" في مصر؟
بقلم - يوسف القعيد : لم يعرف أحد بأي لغة خاطب جون كيري الرئيس مرسي عندما قابله خلال زيارته لمصر. لأن الصهاينة كتبوا في صحفهم أن الرئيس لا يجيد الإنجليزية. رغم أنه عاش في أمريكا أربع سنوات. ودليلهم أن الرئيس مرسي عند اتصال باراك أوباما به أعلن مرسي أن أوباما قال له نحن نتطلع لزيارتك واشنطن في القريب. في حين أن البيت الأبيض أكد أن زيارة مرسي لواشنطن لم تكن واردة في المكالمة التي دارت حول زيارة كيري لمصر.
الزيارة لم تكن موفقة، قبل أن تبدأ، سبقتها تصريحات من الفريق المرافق لكيري. صرح أحدهم بأن كيري سيضغط على المعارضة لتشارك في الانتخابات البرلمانية. وقال آخر إن كيري سيمارس الضغوط على الرئيس مرسي ليسعى لمشاركة المعارضة في الانتخابات. الإدارة الأمريكية لا تريد أن تعترف أن ثمة تغييراً وقع في مصر. وأن لغة الخطاب الآن لابد وأن تختلف عن الخطاب السابق. ولذلك يتحدثون عن مصر كما لو كانت ولاية من ولايات أمريكا.
لحظة وصول كيري إلى مطار القاهرة الدولي سبقته قوة من المباحث الفيدرالية الأمريكية. قامت بمراجعة الطريق الذي سيسلكه للقاهرة عبر صالة كبار الزوار. مما جعل المصريين يقولون - ولو همسا - إن في ذلك عدوانا على السيادة المصرية. بل لقد نظرت بعض العناصر الوطنية المصرية للتأمين الأمريكي لتحركات كيري في شوارع القاهرة على أن فيه عدوانا على السيادة المصرية. وعندما عُرِفَ في القاهرة أن كيري كان يتمنى اختصار زيارته للقاهرة ليوم واحد بدلاً من يومين لأن القاهرة أصبحت مدينة غير آمنة. ولولا ارتباطات مسبقة لجرى اختصار الزيارة فعلاً. وهو ما سبب حالة من المرارة لدى نخبة المصريين.
الزيارة كانت مرفوضة شعبياً. المظاهرات التي اندلعت احتجاجاً على الزيارة بسبب تصور مصري شعبي أن كيري إنما جاء لمصر من أجل دعم حكم الإخوان لمصر. وتجاهل التحركات الشعبية ضد حكم الإخوان المسلمين لبلدهم. لأن أمريكا لا يعنيها سوى مصالحها وأمن الدولة العبرية وحل مشكلة حماس مع إسرائيل وخلق اصطفاف سُني في الوطن العربي محاوره: الرياض، القاهرة، اسطنبول. قد يساعدها إذا اضطرت لضرب إيران. هذا كل ما يعني أمريكا. أما حياة المصريين ومشاكلهم فلا تشغلهم.
جبهة الإنقاذ عقدت اجتماعات مطولة لبحث الموقف من زيارة كيري. وجرت مناقشات، ساد الرأي فيها أنه ليس من المصلحة الإعلان عن رفض الحوار مع كيري. وكان هناك رأي سائد بعدم لقائه. عمرو موسى قال إنه تجمعه بكيري صداقة شخصية قديمة. ولا بد أن يقابله خصوصاً أن المقابلة ستكون فردية ولن يحضرها أحد معه. وبذلك يكون كيري قد أجرى ثلاثة لقاءات فردية في مصر: مع الدكتور مرسي والفريق أول عبد الفتاح السيسي والثالثة - والتالتة تابتة كما يقولون في مصر - مع عمرو موسى.
موقف عمرو موسى أثار الانتقادات الشعبية كيف يرفض عمرو موسى اللقاء مع مرسي ويرفض الحوار معه ويذهب إلى كيري بحجة أنه صديق قديم له. ألا يعد هذا تناقضاً شديداً من قبل عمرو موسى جرياً وراء عقدة الخواجة؟.
بعض من تحدثوا مع عمرو موسى عن لقائه بكيري قال لهم إن اللقاء استغرق 45 دقيقة. وأن معظم حديث كيري معه كان اقتصادياً. ودار حول أهمية أن تتوصل مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وبصرف النظر عن الأربعة مليارات دولار التي ستحصل عليها مصر من وراء الاتفاق. فإنه سيؤدي إلى سياسات تعادي الجماهير وتجعل معاناتها قضية أخطر من الوضع الراهن. ولكن يبدو أن أمريكا لا تريد أن تقدم آية أموال جديدة لمصر وتحاول دفعها للاقتراض من الصندوق وأن يعرف المصريون أن أمريكا لعبت دوراً في إتمام الاتفاق.
الأمريكان قالوا إن البرادعي الذي أعلن رفض لقاء كيري اكتفى بإجراء اتصال تليفوني معه، ولذلك تساءلت الناس: إن البرادعي لم يتعطف ويتحادث مع مرسي تليفونياً، فكيف يجري اتصالاً تليفونياً مع كيري؟ عموماً هذا الاتصال تم نفيه من قبل جبهة الإنقاذ وقيل إنه جزء من حرب الشائعات الإخوانية ضد البرادعي.
كيري ذهب في يوم زيارته الأولى إلى جامعة الدول العربية لتسويق الدور الأمريكي في سوريا الذي يعد تالياً الروسي. وقد تحصنت أمريكا وراء أن بريطانيا هي التي تقف وراء تسليح المعارضة السورية بأسلحة متقدمة وأن أمريكا لن تشارك في هذا.
كيري قابل وفداً من رجال الأعمال ومجموعة من رموز المجتمع المدني، وأيضاً من الساسة الذين وافقوا على اللقاء معه. وأنا أكتب هذا الكلام في اليوم الثاني للزيارة ولم أسأل بعض من قابلوه هل قالوا له إن أمريكا هي التي صنعت المحنة التي تمر بها مصر الآن؟ وماذا كان رده على هذا الكلام؟ أحد مستشاري كيري قال لبعض من قابلوه ولو بشكل غير رسمي إنهم مع مرسي حتى تظهر قوة أخرى تستطيع أن تحرك الشارع المصري.
بعد القاهرة سافر كيري للرياض لمقابلة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ولا نعرف ماذا قال لهم ولا ماذا سمع منهم وهل تطرق الأمر إلى الربيع العربي؟ أم أن كيري أخذهم للدور الذي قامت به أمريكا في سوريا؟.
كانت زيارة كيري لبلادنا أول عمل يقوم به كوزير خارجية للقوة العظمى، ولكن الزيارة لم تكن عظيمة الوقائع ولا النتائج.