العناد السوري.. إلى متى؟

 

بقلم: صالح بن عفصان الكواري (رئيس التحرير) .. لقد فعلها النظام السوري وأضاع الفرصة التي منحتها له الجامعة العربية بقبول مبادرتها لحل الأزمة المستعرة هناك على مدى الشهور الثمانية الماضية والتوقيع على البروتوكول الخاص الذي ينص على قيام مراقبين عرب بزيارة سوريا.

 

نعم لقد تجاهلت دمشق مطلب اللجنة الوزارية العربية المعنية بالوضع السوري وبالتالي أضاعت الفرصة، إلا إذا جرى تمديد المهلة، ومارست هوايتها ومحاولاتها لكسب الوقت إمعاناً في إراقة مزيد من دماء الشعب السوري الطاهرة على ما يبدو من مثل هذه المواقف المتذبذبة وغير المفهومة. هذا الشعب الذي صبر لنحو أربعة قرون على حكم آل الأسد، لقد خرج.. بحثاً عن الحرية نعم خرج المارد من قمقمه ولن يعود إلا بتحقيق مطالبه وجني تضحياته في الحرية والديمقراطية والتحول الديمقراطي الشامل الذي يفضي إلى التداول السلمي للسلطة، هذا إذا استثنيا أول مطالبه بإسقاط النظام ومحاكمة رئيسه.

 

على الرئيس بشار الأسد أن يتعلم من ثورات الربيع العربي ويأخذ العبر والدروس منها ذلك أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه قبل شهر مارس الماضي ولن تعود الجماهير إلى بيوتها إلا بالاستجابة لمطالبها، كما أن الحلول الأمنية قد أثبتت فشلها وعدم جدواها وبالتالي عليه أن يعترف بالواقع الماثل أمامه بوجود أزمة حقيقية يجب تدارك حلها قبل فوات الأوان.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا توقع دمشق على بروتوكول المبادرة العربية وتسمح للمراقبين العرب التجول بحرية في أرجاء سوريا؟ أعتقد أن ليس في مثل هذه الموافقة انتقاص للسيادة السورية بقدر ما هي، إن جاءت تقارير المراقبين بالإيجاب، تأكيد لمصداقية النظام السوري، إن تبقت له مصداقية من حيث إنه لم يرتكب ما يستوجب معاقبته وأن مسلحين وأيادي خفية مسؤولة عن كل ما يحدث ويرتكب بحق الثوار هناك!.

 

لقد ذكرت بعض وسائل الإعلام نقلاً عن مسؤول سوري قوله إن هناك مراسلات بين دمشق والجامعة العربية بخصوص السماح للمراقبين العرب بالقيام بجولات في البلاد، لكن المسؤول المعني لم يوضح لنا ماهية هذه المكاتبات دون الإشارة الصريحة إلى موقف دمشق من المهلة التي حددتها الجامعة العربية والتي انقضت الليلة الماضية للرد بإيجاب على دعوة الجامعة لها بالتوقيع على البروتوكول المشار إليه.

 

إنه العناد الذي سيقود الأمور إلى ما لا تحمد عقباها، وعندها سوف لن ينفع الندم وعض الأصابع وتوزيع التهم يميناً وشمالاً بحق الآخرين الذين لا مصلحة لهم سوى مصلحة شعب سوريا الشقيق وحقن دمائه.

 

على النظام السوري أن يعلم أن لغة التهديد لن تجدي وأن محاولات المراوغة والتحايل والالتفاف على الجهود العربية لن تفلح في ثني الشعب السوري عن المطالبة بحقوقه العادلة حتى وإن تصدرها مطلب إسقاط النظام ورحيله.

 

هكذا استمرأت دمشق الاستمرار في نهجها، عكس ما يشتهي شعبها وما يريده منها المجتمع الدولى وأشقاؤها العرب، مما يجعل أمر تدويل الأزمة وارداً، كما حذر من ذلك معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في تصريحاته عقب اجتماع اللجنة العربية بالدوحة مساء السبت.

 

وهنا أجد من واجبي لفت انتباه دمشق وهي أدرى، من أن التعويل على الفيتو الروسي والصيني لن يستمر إلى الأبد والشواهد كثيرة، والمواقف كما عودتنا السياسة غير ثابتة وتحكمها المصالح والمنافع ولا أعتقد أن روسيا والصين سيضحيان بعلاقاتهما ومصالحهما مع الغرب إلى الأبد من أجل عيون النظام السوري ورئيسه.

 

لا تريد قطر ولا ترغب المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية الشقيقتان وغيرها من الدول العربية وحتى دول الجوار مثل تركيا ودول العالم التي طالبت النظام السوري بالاستجابة لمطالب شعبه، لا يريد هؤلاء جميعهم إلا مصلحة الشعب السوري واستقرار سوريا وسلامة أراضيها، وليس الموقف العربي بمثابة مؤامرة على سوريا كما ظل يصوره النظام وأجهزته وأبواقه، بل إنه الحرص وليس غيره على بلد شقيق وعلى شعب شقيق اختبر فيه نظامه أحدث أنواع الأسلحة وامتهن كرامته وحقه في الحياة لمجرد أنه طالب بحقوقه.

 

على النظام السوري أن يعرف أن الموقف الدولي يتصاعد في وجهه وأن المواقف تبنى شيئا فشيئاً، كما نبه إلى ذلك معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في تصريحاته. ويبقى على النظام إن كان الوقت سيسعفه، أن يتحرك بسرعة بعد فشل رهان قمع الثورة بالقوة، لمصالحة شعبه وكسب ثقة العالم التي لن تعود على ما يبدو بعد التضحيات والثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري حتى الآن من أجل انتزاع حريته ونيل حقوقه.

 

editor@raya.com