هل يقود رومنى أمريكا إلى الهوان؟
شاهدت الفقرة الختامية من مؤتمر الحزب الجمهورى الأمريكى، الذى تم فيه ترشيح ميت رومنى رسميًا لمواجهة باراك أوباما فى الانتخابات الرئاسية القادمة.. كان من المفترض أن يمثل خطاب رومنى فى ختام المؤتمر حجر الزاوية فى حملته الانتخابية فى الشهرين المتبقيين قبل الانتخابات، لكن الخطاب جاء ضعيفًا فى مجمله، ولم يقدم بديلاً واضحًا لسياسات أوباما التى أسرف فى الهجوم عليها والسخرية منها، لقد جاء الخطاب صاخبًا فى شكله فارغًا فى محتواه.. الخطاب يجعلك تتساءل: هل يمكن لهذه الشخصية الخاوية أن تحكم أقوى دولة فى العالم؟.
تكلم واشتكى كثيرون من أقطاب الحزب الجمهورى من كون رومنى لا يتمتع بجاذبية شخصية (كاريزما)، وأنه شخصية غير محبوبة، كما اشتكوا من ضعف الجوانب الإنسانية فى شخصيته، وكأنه يعيش منعزلاً عن الناس، ونصحوه بأن يركز فى خطابه المرتقب على هذه الناحية.. وقد فعل الرجل، وبالفعل جاءت كلماته الإنسانية مؤثرة بمقاييس المجتمع الأمريكى، فقد تكلم عن أبويه بعاطفة جياشة، وقد استمر زواجهما لأكثر من ستين عامًا، وتكلم عن رقة أبيه وكيف أنه ظل لعشرات السنوات يهدى أمه زهرة كل يوم بلا انقطاع إلى يوم موته، وتكلم عن كفاح زوجته كربة بيت قامت على تربية أولاده الخمسة بشجاعة وبسالة وإخلاص.. ولقد أجاد فى تغيير صورته الإنسانية فى هذا الشأن، ولكنه فشل فى تقديم أى رؤية سياسية واضحة، كما فشل فى تحديد سياسات اقتصادية فى مواجهة سياسات أوباما.
لم يتعرض رومنى فى خطابه للسياسة الخارجية إلا بشكل عابر، ولكن بطريقة مريبة.. فقد سخر من "جولة أوباما التى بدأ بها حكمه، جولة للاعتذار عن سياسات أمريكا التى حاولت فرضها على الشعوب الأخرى"، بينما سيبدأ هو فترة حكمه ببيان أن أمريكا (فى عهد بوش الابن) ساعدت الشعوب الأخرى فى التخلص من حكامها الطغاة.. (فى إشارة للعراق؟).. ولم ينس رومنى الهجوم على أوباما لموقفه الضعيف فى دعم إسرائيل وحلفاء أمريكا، وتساهله مع روسيا، ووعد حال انتخابه بأن يكون أقل مرونة مع روسيا وأكثر حزمًا!.
رومنى ينتمى لطائفة المورمون، وهى طائفة أنشئت عام 1830 ولها كتاب مقدس غير الإنجيل، وتعيش منعزلة إلى حد بعيد عن الطوائف المسيحية الأخرى، ولا تسمح لأتباع باقى الطوائف بدخول كنائسها، وهى طائفة تحرم الخمر والتدخين والتبرج والعلاقات الغرامية خارج إطار الزواج، وتسمح الطائفة بتعدد الزوجات (الممنوع قانونًا فى الولايات المتحدة)، وقد تفرغ رومنى من كل أعماله فى عام 1966 لمدة ثلاثين شهرًا متصلة فى مهمة تبشيرية فى فرنسا للدعوة إلى هذه الطائفة، وأصبح بعدها أسقفًا فى هذه الكنيسة.. هذه الخلفية الدينية بالإضافة لكون رومنى من الأثرياء جعلت تفاعله مع الشعب متكلفًا ويترك انطباعًا منفرًا.
إن فراغ المحتوى فى خطاب رومنى يدعو للقلق، والعجيب أن الكلمة الرئيسية التى سبقت خطابه كانت لنجم هوليوود العجوز كلينت إيستوود.. أثارت كلمة الممثل الشهير جمهور الحاضرين واستحوذت على إعجاب النقاد السياسيين!، برغم أنها كلمة فارغة امتلأت بالسخرية غير اللائقة بهذا الحفل الحزبى الضخم، وقد وضع إيستوود مقعدًا فارغًا إلى جواره، وتخيل أن أوباما جالس عليه، وأخذ يناقشه بأسلوب ركيك وبجمل مبتورة ولغة ضعيفة.. وعدم تركيز ربما يعود لأمراض الشيخوخة.. وبالإجمال فإن كلمته وبعدها خطاب رومنى رسمت صورة متكاملة لخواء سياسى وصخب إعلامى وموسيقى.. إن المعتاد فى مثل هذه المناسبات أن يختم المرشح الرئاسى خطبته التاريخية بنبرة أمل وبوعد إيجابى، لكن رومنى ختم خطابه بجملة من الأسئلة عن سياسات أوباما والجمهور الكبير يجيب على كل سؤال بـ "لا" عالية وصاخبة مصحوبة بصفير اعتراض.
مع نهاية الخطاب، عاد التساؤل مُلحًا: هل يمكن لهذه الشخصية الخاوية أن تصبح أول من يأخذ أمريكا إلى الضعف والتردى.. والهوان؟.