تدمير الإنسان في العراق

  

أنس زاهد

 بعد الجريمة التي قامت بها شركة ( بلاك ووتر ) في حق عدد من المدنيين العراقيين ، وبعد الجريمة التي تلتها حيث قتلت إحدى شركات الحراسة الخاصة الأميركية التي تعمل في العراق امرأتين عراقيتين ، بدأ الإعلام العربي في الاهتمام بقضية شركات الحراسة الخاصة التي تعمل في العراق .

ملف هذه الشركات تم طرحه عبر بعض الأفلام الوثائقية قبل أن تتم الجريمتان الأخيرتان . لكن الإعلام العربي لم يسبق له أن تعرض لهذا الملف ربما لعدم معرفته بوجوده من الأصل .

حسب إحدى الوثائقيات الأجنبية ، فإن شركات الحراسة الخاصة الأميركية التي تعمل في العراق ، تستخدم حراسا مرتزقة يتم جلبهم من دول آسيا الفقيرة عبر وكلاء محليين غالبا ما يكونون نافذين في بلادهم . والسبب الرئيس في اختيار أو تفضيل دول دون أخرى ، هو تدني مستوى المعيشة ، حيث يمكن للشركة الأميركية أن تضمن خدمات موظفيها أو مرتزقتها ، بأقل تكلفة ممكنة .

إنه ( بزنس ) يدر الملايين على أصحاب هذه الشركات ، دون أي اعتبار لحقوق الإنسان الذي يعمل في هذه الشركات ، حيث لا يعرف أحيانا طبيعة أو مكان عمله إلا بعد وصوله إلى الأراضي العراقية .

الديمقراطية الأميركية لا تكترث كثيرا بأرواح المدنيين العراقيين الذين راحوا ضحية لتجاوزات هذه الشركات ، كما وقعوا ويقعون في أحيان كثيرة نتيجة لتجاوز الجيش الأميركي نفسه الذي يعتمد على تكتيكات مشابهة لتكتيكات جيش العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة .

لقد قضى قبل أيام العيد خمس عشرة امرأة وطفلاً في العراق نتيجة لإحدى الهجمات الأميركية . وقبل أيام من هذه الجريمة الأميركية الجديدة ، تم تبرئة أحد الجنود الأميركيين الذي اتهم باغتيال أكثر من مدني عراقي قبل حوالى عامين ، كما تم الإفراج عن أحد المتهمين في قضية معتقل ( أبو غريب ) بعد أن قضى حوالى نصف مدة المحكومية ، والله وحده يعلم كيف وأين قضى الجندي الأميركي الذي انتهك حقوق المئات من العراقيين ، مدة عقوبته .

أما الحكومة العراقية التي عينتها واشنطن ، فعدا عن تورطها في قضايا فساد ضخمة ، فيبدو أنها غير مهتمة كثيرا أو حتى قليلا بأرواح القتلى العراقيين الأبرياء ، بل إن بعض التقارير الصحفية الغربية أثارت كثيرا من علامات الاستفهام حول علاقة بعض الوزراء بالميليشيات الشيعية المتطرفة ، في حين أثارت نفس علامات الاستفهام حول علاقة بعض البرلمانيين العراقيين بتنظيم القاعدة .

المؤامرة ضخمة ، وأطرافها كثر ، أما الهدف الأساس فهو تدمير الإنسان العراقي .. وعندما نتحدث عن تدمير الإنسان في بلد ما ، فإن الأمر لا يتوقف عند القتل وعدم الاستقرار والفقر والهرب من الوطن ، وإنما يتضمن أيضا تشويه هوية هذا الإنسان وتغيير معالمها ، وهو ما بدأ منذ سرقة الآثار العراقية عقب الاحتلال بأيام قليلة .

إننا أمام مخطط مدروس بعناية فائقة .