الحقيقة المؤلمة د. أحمد البغدادي

 

 أخر تحديث: الثلاثاء 27 مايو 2008  الساعة 04:59PM بتوقت الإمارات

وفق ما ورد في الصحف أن الرئيس المصري قد خرج من قاعة المؤتمر الاقتصادي الذي عقد مؤخراً في شرم الشيخ، خلال إلقاء الرئيس الأميركي كلمته التي ذكر فيها أن العالم العربي يوجد فيه الكثير من الظلم بوجود حكم فردي في الحكم ومعارضة في السجن. ولم يلقَ هذا الكلام استحساناً من الرئيس المصري الذي، ولأول مرة يمارس مثل هذا التصرف رغم أنه رئيس الدولة المضيفة للمؤتمر. وقد بررت الصحافة ذلك بأن الرئيس المصري أراد أن يبيِّن اعتراضه على كلمة الرئيس الأميركي باعتبار أن ما ذكره الرئيس الأميركي يعد تدخلاً في الشؤون الداخلية لمصر. وكالعادة انبرت الصحف المصرية الحكومية بالدفاع عن موقف الرئيس المصري، والاعتراض على كلمة الرئيس الأميركي، في الوقت الذي لم ينتبه فيه هؤلاء إلى تزامن وقائع المؤتمر مع التحقيق الرسمي مع رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت في قضايا فساد عام!! ولا يختلف اثنان على أن الرئيس الأميركي قد قال كلمة حق في مواجهة أنظمة لا تتردد لحظة في قمع معارضيها وإيداعهم السجون، حتى بدون محاكمات عادلة... لكن الحقيقة دائماً تكون مؤلمة.

كل الوقائع السياسية في عالمنا العربي تشير وبشواهد لا تقبل الشك إلى أن ما قاله الرئيس الأميركي هو عين الحقيقة. فالواقع العربي بات مفضوحاً وبلا أدنى محاولة من تغطية المساوئ. هل هنالك من ينكر أن في العالم العربي التعس أنظمة ظالمة لا تراعي ديناً أو خلقاً أو عدلاً وهي تواجه معارضيها السياسيين؟ والمسألة ليست متعلقة بنظام ما قدر تعلقها بواقع مؤلم تقف فيه المعارضة بصدر عارٍ في مواجهة قوانين ظالمة تورد التهم جزافاً لمن يعترض على النظام السياسي. ما معنى بالله عليكم، إهانة الانتماء القومي؟ أو تهمة المساس بالدين؟ أو تهمة الإساءة للتاريخ الوطني؟ وكان من الممكن القبول بمبدأ حق النظام السياسي في تطبيق القوانين من خلال محاكمات عادلة تتوفر فيها الضمانات اللازمة المعروفة عالمياً، أو تشهدها المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، لكن لا المحاكمات عادلة ولا الضمانات متوافرة، بل ولا حتى محاكمات مدنية في كثير من الأحيان حين يقرر النظام اعتبار التهم على أنها تمس الأمن الوطني فيحال الأمر إلى المحاكمات العسكرية، وحيث تصدر العقوبات الرهيبة بحق المعارضين. سنوات طويلة من السجن بما يتخلل ذلك من تعذيب وانتهاك لحرمة الإنسان.

جميع الدول العربية إما خالية من المعارضة السياسية أو يمنع على المعارضة الوصول إلى الحكم فيها، حتى لو كانت هناك انتخابات نيابية. ومما يحز في النفس أن إسرائيل هي البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي توجد به معارضة سياسية حقيقية، وحيث يأمن فيها المعارض السياسي على نفسه وعرضه، وحيث يحق له التواجد الرسمي ضمن الأطر الدستورية داخل البرلمان، في مقابل تزوير الانتخابات وتهديد المعارضة والاعتقالات التعسفية التي تسبق الانتخابات العامة لمنع المعارضة من التصويت حتى لا تفوز في الانتخابات. وبرغم وجود أنظمة برلمانية ودساتير وما يسمى بدولة القانون في العالم العربي، إلا أن المعارضة السياسية مخنوقة بقوانين بائسة وظالمة تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان. في العالم العربي يتم إيذاء المعارضين السياسيين باسم القانون، ويتم اعتقالهم بموجب قانون الطوارئ، كما يتم إيداعهم السجون لمدد طويلة بدون محاكمات عادلة، دعْ عنك الظروف السيئة والصعبة في هذه السجون.

الرئيس الأميركي لم يجافِ الحقيقة فيما قاله، لكن الأنظمة العربية لا تريد مواجهة كلمة الحق، بل تريد أن تتمادى في الباطل وأن تمتدح على أفعالها الشائنة بحق المعارضة، كما لا تريد الاعتراض على ما تفعله من مساوئ وظلم وهدر للحقوق الإنسانية، محتجة بطبيعة الوضع الداخلي ومفهوم السيادة الوطنية الذي لا يبرز إلا لإيذاء المعارضة، ويختفي في مواجهة العدو الإسرائيلي.