أنت هنا: الرئيسية  الجريمة التي لم تنل العقاب بعدبقلم جمال محمد تقي

 

 

العراق : عشرة اعوام من الجريمة التي لم تنل العقاب بعدبقلم جمال محمد تقي

9 أبريل, 2013       في اراء ومقالات

 

الاعتذار الامريكي البريطاني من الشعب العراقي وتعويض العراق عن الاضرار الجسيمة والكارثية التي حلت ببيئته الطبيعية والبشرية وبنيته التحتية والتي ستوشم مستقبله لمئة سنة قادمة ، هو اقل ما يمكن ان تفعله امريكا وبريطانيا للشعب العراقي من اجل طي صفحة الماضي ، لان العقاب العملي هو افشال الاجندة الامريكية البريطانية التي من اجلها نفذت عمليات الغزو والاحتلال ، وبهذا المعنى سيكون هناك عقاب منطقي لجريمة لا توازيها كل عقوبات الارض .

 ما يوحي وكأن الطرح اعلاه نوع من الاحلام او من الكلام الخاص بسياق الذكرى ، هو اعتبار من يحكم العراق الان ، عملية غزو العراق واحتلاله ، ضرورة لتحريره ممن كان يحكمه !  وبحسب اعتقادهم فان الامريكان والبريطانيين يستحقون الشكر والامتنان واحيانا التعويض على ما خسروه في العراق من جراء الغزو والاحتلال ، وهذا امر مفهوم بالنسبة لمجموعة عراقية متواطئة اصلا ، وشكل الغزو والاحتلال سببا لوجودها على رأس السلطة ، وهي بطبيعة الحال مدينة بما ملكت ايمانها للمحتلين ، وحتما ستقف بوجه اي مطالبة تدعو الى ما ذهبنا اليه اعلاه ، لكننا هنا لا نعول على الذين استخلفوا من قبل المحتلين وانما على كل الوطنيين الاحرار الذين اخذوا ينظمون انفسهم وينتقلون من شكل المقاومة المسلحة الى المقاومة السياسية والحقوقية وهم كثر والحمد لله !

يضيق اصحاب السلطة في العراق ذرعا من اي تحقيق امريكي او بريطاني مستقل او رسمي بمجريات ومبررات غزو العراق والجرائم والتجاوزات التي ارتكبت وقتها ، لانها تكشف زيف واكاذيب ما سوق وقتها ، اضافة لفضحها ادوارهم البائسة والتي كانت تغري المحتلين برهن ثروات العراق مقابل الاسراع بغزوه واسقاط دولته ، انهم يمتعضون من تصريحات اوباما المنددة بالحرب على العراق باعتبارها خطأ استراتيجيا ، ويصيبهم الاكتئاب من اي اجراء ولو شكلي لمحاكمة بوش وبلير على جريمة شن الحرب على دولة هي عضو مؤسس لمنظمة الامم المتحدة !

مقتل 5000 الاف جندي امريكي وتعويق 35 الف اخر ، ليس بعقاب على جريمة الغزو والاحتلال التي راح ضحيتها بحسب التقارير الامريكية حوالي نصف مليون مدني وعسكري عراقي بين قتيل وجريح وكذلك الامر بالنسبة لخسارة الجانب الامريكي لما يقدر بحوالي 4 ترليون دولار على حرب العراق ، بل هي تكلفة طبيعية لفعل الاحتلال نفسه الذي يحتم المقاومة والذي اوقع في البلاد اضرارا جسيمة تقدر باكثر من 100 ترليون دولار .

مضاعفات الجريمة مازالت مستمرة بحق العراق وشعبه ، لان نتائج الغزو والاحتلال الذي قادته امريكا وبريطانيا ومن دون اي غطاء قانوني من الشرعية الدولية ، ممثلة بمجلس الامن ، تتفاقم على عدة مستويات خطرة على تكوينه كوطن تعيش فيه ثقافات واثنيات متعددة ، عمل المحتل على تنفيرها من بعضها بهندسة نظام المكونات الانعزالي ، كبديل ديمقراطي عن نظام المواطنة الواحدة ، لم يعد العراق مكانا امينا للعيش بسبب النسب العالية للتلوث الاشعاعي والكيميائي ، فما القي على العراق يعادل 100 مرة حجم اليورانيوم في القنابل الذرية التي القتها امريكا على هيروشيما ونكازاكي في اليابان  نهاية الحرب العالمية الثانية ، ويكفي ان تكون نسب التسرطن والتشوهات الخلقية الغريبة للمواليد الجدد مضاعفة وباضطراد مشهود خاصة في مناطق البصرة والفلوجة كدليل على جريمة استخدام الاسلحة المحرمة دوليا !

لقد سرقوا ونهبوا واغتصبوا ، وقتلوا بدم بارد الالاف من الابرياء والعزل ، جرائم ابوغريب وحديثة وراوة وساحة النسور ووو لا يوجد مكان لم يعبثوا به ، شواهد كثيرة على الجرائم التي تصل لمستوى الابادة ، ارقام مهولة من المهاجرين والاجئين والنازحين .

انسحب الامريكان بعد ان دمروا البلاد وعذبوا العباد ، ملايين من الايتام والارامل والمعاقين ، وبطالة تصل الى اكثر من 30 بالمئة ، و8 ملايين امي ، و25 بالمئة تحت خط الفقر ، بلاد تستورد كل شيء ولا تنتج غير النفط !

انسحب الامريكان بعد ان فخخوا البلاد بنظام ودستور يحصص ويفصص ويأقلم ولا يعرق ، يخصخص ولا يعمم  ، وحزموا الميليشيات الطائفية والاثنية باحزمة ناسفة وموقوتة ، مع انفجارها تنفجر البلاد الى ثلاث بلدان اواكثر !

انسحب الامريكان ورقبة العراق ومستقبله بايديهم ولو عن بعد ، فمازالت واردات النفط تخضع للاشراف الامريكي ، عائدات النفط تدخل صندوق خاص ، منه تصرف شيكات الصرف الجاري والاستثماري ، ومازال العراق تحت البند السابع ، والشيء الجديد عودة الشركات النفطية الامريكية لاستغلال النفط العراقي بعد ان فتح باب الخصخصة على مصراعيه لاعمال التنقيب والاستخراج والتصدير والتحويل !

انسحب الامريكان بعد ان عقدوا مع مستخلفيهم  اتفاقية اطار استراتيجي طويلة الامد تجعل من امريكا الوصي الفعلي على العملية السياسية القائمة .

انسحب الامريكان أم هربوا من العراق ؟ خسروا أم ربحوا نزالهم الذي مازال يتواصل بالوكالة ، لان المستخلفون يستكملون ما خطط لهم ؟ هذا ماستجيب عنه الايام والسنين القادمة ، لان النصر النوعي  لا يأتي بجولة او نزال فالمعركة مازالت مستمرة وان باشكال غير عسكرية !

الدخول الامريكي للعراق اعتمد منهج التناسب الثلاثي المحدد الابعاد ، الانهاك ، والترويع والصدمة ، والفوضى الخلاقة ، اي حصار ثم غزو واحتلال واخيرا رعاية للاختلال .

لقد استغرق تنفيذ هذا المخطط اكثر من عقدين متلازمين وما زال زمنهما ساري المفعول ، كم ياترى سيستغرق زمن استعادة العراق وتحريره تماما من براثن الاحتلال ونظامه ومعاهدته وكل مخلفاته ؟  المؤهل الوحيد للاجابة على هذا السؤال هو الشعب العراقي ومقاومته الباسلة ، والمتكيفة مع المتغيرات الاستراتيجية والتكتيكية التي تفرزها معطيات الداخل والخارج .