حياتنا - ديمقراطية التخمة

 

احداث الشغب والنهب والسلب التي شهدتها لندن ومدن بريطانية اخرى كانت حصيلتها خمسة قتلى وخسائر مادية تقدر بحوالي 1,6 مليار دولار. وقد طلب رئيس الوزراء البريطاني كاميرون من قائد سابق لشرطة نيويورك العمل لدى الشرطة البريطانية كمستشار في مكافحة الشغب واجرام الشبان الصغار. ولعل مشاهد النهب والسلب في لندن وغيرها تعيد الى الذاكرة احداثا مماثلة في نيويورك عندما انقطعت الكهرباء عن المدينة في عام 1977 وانتشرت اعمال السلب والنهب والسرقات والاغتصاب في المدينة وتم اعتقال آلاف المشاغبين. فانقطاع الكهرباء شل حركة السير والاتصالات وعطل السلطة التنفيذية عن العمل اي الشرطة والامن وبالتالي فإن النفوس الامارة بالسوء التي تنضبط للقانون بوجود الشرطة فقط وجدت نفسها طليقة بلا شرطة وبلا ردع فسرقت ونهبت وعاثت في الارض فسادا.. فالديمقراطية هنا مجرد قشور وليست متجذرة في النفوس وبالتالي فإن ديمقراطية الوفرة هي السائدة في الغرب فإن نقص على الناس شيء ما ثاروا وداسوا على المبادئ الديمقراطية ولعلنا نلحظ اثناء زياراتنا لدول ديمقراطية كيف ان اضرابا للمواصلات العامة يثير شجارات بين الركاب المنتظرين على موقف لتاكسي الاجرة فكل يريد السيارة لنفسه.. فالديمقراطية هنا يمكن ممارستها في ظل الوفرة المادية والتراجع عنها في ظل الجدب. ولهذا فإن ما حدث في نيويورك سابقا وفي لندن حاليا يؤكد ان الديمقراطية تختفي في اوقات الازمة. فالنهب والسلب الذي تم في القاهرة مثلا قام به بلطجية ولصوص وليس اناسا عاديين فيما ان من مارس السلب والنهب في لندن مثلا كان بينهم اثرياء من البيض واناس عاديون وليس مجرد عصابات اجرامية من الشبان السود. وقد بدأ الحديث عن افول نجم الامبراطورية الاميركية في السنوات الاخيرة بسبب تعثرها اقتصاديا لان المبدأ الديمقراطي لا يعيش الا في بحيرة وافرة المياه العذبة فيما ان الدكتاتورية تنتعش في المستنقعات الآسنة. ورغم ان الكثيرين يقولون ان بريطانيا لا يمكن ان تهتز بسبب احداث الشغب الاخيرة الا ان بعض المحللين بدأوا ما يسمونه العد التنازلي للانهيار الاميركي اقتصاديا الذي يليه انفصال ولايات غنية عن الدول الاتحادية وغياب القرن الاميركي ويصير حال الولايات المتحدة كحال دول القرن الافريقي. لأن الفقر لا يولد الا القمع وانعدام العدالة فيما ان الوفرة المالية تتعايش مع الديمقراطية وتنميها فالرخاء المادي يحل محله الاستبداد والاضطراب مصداقا لقوله تعالى «ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون».

 

حافظ البرغوثي