تجهيز نسخة للطباعة  أرسل المقال

 

حافظ البرغوثي

 

حافظ البرغوثي

حياتنا - الاستعماريون الجدد

 

كرر رئيس وزراء اسبانيا السابق خوزيه ماريا أثنار في مقالته التي وصف فيها اسرائيل بأنها خط الدفاع الأول عن الغرب ما كان وزير الطاقة الاميركي الاسبق ريتشارد مون قاله عام 1999 من أن النفط كان محور القرارات الأمنية والسياسية الاميركية خلال القرن العشرين ونتج عنه تقسيم وتجزئة الشرق الأوسط الى دويلات.

فالمسؤول الاسباني الاسبق يتحدث بلسان القوى الاستعمارية التي تريد استمرار الاستعمار وسلب الثروات في المنطقة العربية وغيرها وهو هنا لم يقل صراحة ان اسرائيل قاعدة متقدمة للاستعمار. فهي نشأت ضمن هذا المفهوم، أي تجزئة الوطن العربي وبث عدم الاستقرار فيه لاستلاب ثرواته. فالحرب على العراق كان هدفها نفطياً بحتا، حيث لاحظت الدراسات الاميركية ان العراق يملك ثاني أكبر احتياطي نفطي بعد السعودية، لكن غير المكتشف فيه يزيد عن السعودية بكثير.

ومن يملك نفط المنطقة يسيطر على الغرب والشرق معاً، وحالياً كشف النقاب عن أن أفغانستان تملك ثروة من المعادن الاستراتيجية تقدر بحوالي ألف مليار دولار. ولهذا نجد «فزعة» عسكرية غربية استعمارية متواجدة في أفغانستان لاستمرار الهيمنة عليه. فالحروب العدوانية هذه تغلف بشعارات الدمقرطة والقضاء على التطرف والارهاب وإقامة السلام، لكنها في الحقيقة حروب استعمارية بحلة حديثة. وقد فقدت اسرائيل بريقها الاستراتيجي خلال العقود الأخيرة وصارت عبئاً على الغرب، لأنه بات مدافعاً عنها ولم تعد تدافع عن مصالحه. ويبدو أن اسرائيل استيقظت على هذه الحقيقة خاصة بعد أن دخل في قاموس السياسة الغربية مصطلح ان اقامة دولة فلسطينية مصلحة أميركية وبعد أن صارت للولايات المتحدة وغيرها حدود في المنطقة، حيث ان دول الجوار للعراق وأفغانستان باتت وكأنها دول جوار للولايات المتحدة مثل المكسيك وكندا، ولهذا جاهر جنرالات أميركيون بالقول ان السياسة الاسرائيلية تعرض الوجود الاميركي وحياة الجنود الاميركيين للخطر. ولهذا بدأت اسرائيل بالتحرك في أوساط اليمين السياسي الاوروبي لقلب هذا المصطلح وهي تجد في رؤساء وزراء سابقين وحاليين مثل أثنار وبيرلسكوني ومحافظين جدد في الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية حلفاء لإعادة مصطلح ان اسرائيل خط دفاع عن الديمقراطية والحضارة الغربية في محيط عربي متوحش. فبدلاً من الحديث عن السلام وضرورته وتسكين اسرائيل في المنطقة كدولة مسالمة، فإن التوجه اليميني الاستعماري الغربي والاسرائيلي الحالي يتجه للتصعيد والتعقيد انطلاقاً من حقد دفين لاستمرار نهب المنطقة العربية وتفتيتها، بل وتجزئة المجزأ واستباحتها الى ما لا نهاية. ويظن غلاة الاستعماريين مثل أثنار أنهم بهذه الأقوال يفكون العزلة الدولية المستحكمة التي ستأخذ شكل الحصار على اسرائيل لاحقاً.

وهم إنما بأقوالهم يفصحون عن جوهر الوجود الاسرائيلي في المنطقة كقلعة عدوانية استعمارية استيطانية لخدمة الآخرين. وهذا ينسجم مع توجهات الحكومة الاسرائيلية وأحزابها الذئبية التي تدفع باسرائيل نحو هاوية الغيتو والعزلة والتوتر الاقليمي وتبديد أي أمل في السلام.

فالنفط ليس قدراً لا نهائياً والاستعمار كذلك.. واسرائيل أيضاً، فلا يبقى في هذه الأرض إلا ملحها وليس نفطها.