فؤاد أبو حجلة
نافذة- دماء في مياه المتوسط
مرة أخرى، أحرجنا الأتراك واليونانيون والأوروبيون من كل دول الاتحاد الحضاري الوحيد في العالم. ومرة أخرى جرحتنا اسرائيل، وأحرجتنا نحن العرب المؤمنين بالسلام ومسيرته وفوائده وخيراته الجمة.
نعم نحن محرجون لأننا لم نرتق إلى مستوى شجاعة الأتراك ورجولتهم، رغم أنهم لا يتغنون بعنترة بن شداد، وليس لديهم أبو زيد الهلالي، ولم ينعم الله عليهم بعشائر لها شيوخ ذوو مهابة. وكل ما لديهم شيء اسمه عزة النفس. وأحرجنا اليونانيون، ولم نرتق إلى مستوى حكمتهم، رغم أنهم لا يملكون النفط، ويواجهون أزمة اقتصادية كبيرة، ولا شيء لديهم غير بضعة فلاسفة تركوا كتبهم وماتوا!
وأحرجنا الأوروبيون لأننا لم نرتق إلى مستوى وضوحهم، رغم أنهم لا يعرفون العطوات العشائرية، ويزوجون بناتهم السافرات من دون جاهات كبيرة يتقدمها رجال ضخام يدحلون بطونهم أمامهم، ويتمتعون بقدر هائل من الغباء الممتع.
أحرجنا هؤلاء لأن أسطول الحرية كان ينبغي أن يكون عربيا، ولأن كسر حصار غزة كان يجب أن يتم بأيد عربية وعبر بوابات عربية تفتح الحدود.
لنعترف أننا أمة ميتة، تحاول استعادة حياتها في الشوارع الطيبة التي يحركها الغضب ضد الجريمة التاريخية المسماة اسرائيل، وضد الأنظمة الحاكمة بأمر الأمريكي... وكلها تحكم بأمر الأمريكي، رغم اختلاف الشعار.
ولنعترف بأن الغاضبين في شوارعنا أقلية مضطهدة بين ملايين تغضب فقط لنتائج «ستار أكاديمي»، وتهتف بقوة في مباريات كرة القدم، وتلتهب مشاعرها الوطنية في الملاعب فقط... ويبدو أن الوطن العربي من مائه إلى مائه صار مجرد ملعب، حتى لا نقول شيئا آخر.
سالت الدماء في مياه المتوسط، وجفت الدماء في عروق النظام العربي... وتابعنا ردود الفعل الرسمية، وضحكنا من جواربنا.