حدود الدم!

 

نشر : 14/04/2013جهاد المحيسن

 

قوة التغيير في العالم العربي، التي انطلقت من عقالها وأصبحت تأكل اليابس والأخضر، لم تعد قوة تسعى لبناء مجتمعات حديثة بقدر ما تسعى لإحلال الفوضى غير الخلاقة؛ التي أسس لها وبحث في شكلها ومضمونها ونتائجها مبكرا الغرب والولايات المتحدة الأميركية.

نزعات الانفصال تبدو الأكثر وضوحا وترجيحا في المستقبل، على أسس طائفية وعرقية، وبذلك تكتمل صورة المشهد الذي كان حلما ليصبح حقيقة وواقعا، وسيتم التعامل معه وفق هذه المعطيات. الترويج للدولة اليهودية، لم يعد حديثا يتناوله المتطرفون من اليهود، بل أصبح حالة عالمية استدعت التأكيد عليها من قبل الرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة لفلسطين المحتلة، ما يؤكد على أن مستقبل الدول التي ستقوم على أسس دينية وطائفية قادم لا محالة، وذلك بدعم ومساعدة دولية وإقليمية. ففي مقالة نشرت لمستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر زبيغينو بريجينسكي "إما أميركا أو الفوضىيتحدث عن أن دولا، غير الولايات المتحدة، قد تتحرك بسرعة لتشكيل مجالات إقليمية خاصة بها، ويذكر في هذا السياق تركيا التي سوف تتحرك في فضاء الإمبراطورية العثمانية السابقة، وهذا ما يحصل فعليا وتم التعبير عنه بشكل عملي عندما سعّرت تركيا نار الحرب على سورية، ودعمت المسلحين في سورية بالمال والسلاح، وسهّلت عبور الجماعات المسلحة من مختلف أنحاء العالم لقتال السوريين. ومن هذه الزاوية يفهم الدعم العسكري والمادي للمسلحين في سورية، فالقصة لا تتعلق بنظام وحريات والبكاء على دماء السوريين، بقدر ما هي إعادة تشكيل الإقليم وفق قانون التقسيم، على أسس طائفية وعرقية.

وتبدو الصورة أكثر وضوحا في المخيال الأميركي وأدواته المحلية، فقد كتب رالف بيتر في مجلة القوات المسلحة الأميركية في العام 2006 مقالا تحت عنوان "حدود الدم كيف يمكن للشرق الأوسط أن يبدو أفضل؟"، يتحدث عن تقسيمات وحدود جديدة للمنطقة ودول جديدة، يكون البعد الطائفي والديني والعرقي واضحا فيها، وبذلك تصبح المنطقة مقسمة طبقا للمواصفة الأميركية الصهيونية، وتؤتي فكرة دول الطوائف والأعراق التي تلقفها الثوار الجدد، ثمارها طالما أن الصراع في المنطقة قد تحولت بوصلته من "إسرائيلإلى الروافض من الشيعة والعلويين والمسيحيين، وأن الحرب المقدسة، المدعومة بالنفط العربي، التي تشن على سورية ستضع الأمور في نصابها وتصحح الحدود المتغيرة، وفقا للمصلحة الإسرائيلية، وبذلك تكون الهيمنة فيها للدولة الدينية اليهودية.

تعبيرات التفكير الأميركي للمنطقة تظهر بشكل جلي في مصر وليبيا وسورية، فالهجوم على الأقباط في مصر وخلق حالة من الفوضى على أسس طائفية، تؤكد أن المشروع يتم تطبيقه بحِرفية منقطعة النظير، وأن أدواته هذه المرة محلية، فطالما أن الدم الغربي دم مقدس، فليهدر الدم العربي المدنس، لتحقيق هذه الغاية.

ولكن حركة التاريخ لا يمكن إيقافها، ومن هذه الحقيقة سوف يرتد المشروع التفكيكي في المنطقة على عقبيه خاسرا، رغم محاولة تغليفه بإطار ديني