أمريكا و الأزمة في سورية

 

عندما نخوض في تفاصيل هذا العنوان بشكل منطقي، فإنه من الواجب التساؤل عن خلفية موقف الإدارة الأمريكية حيال ما يجري في سورية، وعن مدى التورط الأمريكي في هذه الأزمة ؟.

ولو دققنا في تفاصيل ما حدث في سورية، وأمعنا النظر في مكامن هذه التفاصيل، يمكن لنا أن ندرك دون  صعوبة، أن الموقف الأمريكي من هذه الحرب الكونية على سورية، الكيان والمجتمع والتاريخ والحاضر والمستقبل الآتي، يتخذ شكلاً مراوغاً براغماتياً، فتارة نراه وقد مالت كفته حسب التطورات والمعطيات على الأرض من جهة، وتارة أخرى حسب تلونات المشهد السياسي الإقليمي والدولي فيما يخص هذه الأزمة، إلى حد باتت فيه تصريحات المسؤولين في هذه الإدارة في معظم الوقت تتصف بالضبابية والغموض، وفي أحيان أخرى بالحمق السياسي.

ونظراً لأهمية وحساسية الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي الذي تتمتع به سورية، الكيان والموقف السياسي في المنطقة والعالم، فقد انعكست هذه الأزمة على المستوى الكوني، ومن هنا بدا العالم منقسماً بشكل حاد بين تيارين عالميين يضمان معظم الدول والتكتلات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، وإن ظلت قيادة هذين التيارين في يد الأطراف الدولية الكبرى ممثلة بروسيا والصين من جهة، وقوى الاستعمار القديم/ الجديد: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى.

وتعمل الجبهة العالمية التي تقف مع سورية، ومع القضايا العربية العادلة من أجل إعادة بث الروح والحياة في تقاليد الشرعية الدولية، ومبادىء حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام سيادة الدول المستقلة.

وضمن هذا التصور نجد أن السياسة الأمريكية، وفي ضوء تطورات الأزمة، وكأنها أصيبت بصدمة، بل بصدمات قوية غير متوقعة، فنراها تحاول الانفكاك والتملص من مفاعيل الأزمة السورية بعدما فوجئت بعدم قدرتها على تحقيق أي اختراق يصب في صالحها ويوجه مسار الأحداث وفقاً لمشيئتها.

فالمندوبة الأمريكية في مجلس الأمن سوزان رايس أسهبت في شرح موقف بلادها مما يجري في سورية بالقول الصريح: إن بلادها ستزيد المساعدات للمعارضة السورية من أجل مساعدتها في توحيد صفوفها، وقد اعترفت رايس أكثر من مرة بأن بلادها تقدم مساعدات لوجستية، وهي هنا من المؤكد أنها لا تعني مساعدات طبية ولا مساعدات إنسانية، فلقد رأينا بعض هذه المساعدات في حي القزاز بدمشق، وحي الشعار بحلب، ثم في مساكن حي عياش في دير الزور.

ولابد أن الجميع يعرف بأن إعلان الإدارة الأمريكية عن رفض تقديم السلاح للمعارضة ينطوي على كذب كبير ومكشوف، إذ إن هذه الإدارة تعرف أن المسلحين في سورية يحصلون على السلاح بعلم هذه الإدارة ومباركتها.

ويبقى أخطر ما جاء على لسان رايس ما قالته عن المذبحة الإرهابية التي وقعت في حي القزاز في العاشر من هذا الشهر، إذ اكتفت بالقول: إن تفجيري الخميس مثال كبير وخطير على أن الوضع في سورية أصبح وضعاً عسكرياً وعنيفاً بما يكفي، وأنه أمر حكيم ألا نساهم في ضخ المزيد من المساعدات اللوجستية، طبعاً دون أن تصدر عنها أية إدانة للجريمة.

وتوصلنا تصريحات رايس إلى الحديث عن خطة المبعوث الدولي كوفي أنان التي لطالما نظرت إليها واشنطن بريبة وشككت بفرص نجاحها، بل وحاصرتها من خلال كيل المزيد من الاتهامات للحكومة السورية، والدعوات الحثيثة لإسقاط هذه الحكومة.

وفي المحصلة فإن ترحيب واشنطن بخطة المبعوث الدولي أنان تارة، وتوجيه النيران إليها تارة أخرى، تشكل أمثلة واقعية على حالة التخبط التي تقع بها السياسة الأمريكية القائمة على مبدأ المصالح أولاً وأخيراً، بعيداً عن أية اعتبارات أخرى.

والمؤكد أن هذا الاضطراب والتوتر الظاهر في عنوان السياسة الخارجية الأمريكية مرده صمود سورية في وجه المؤامرة، ورفض روسيا والصين تمرير هذه المؤامرة عبر مجلس الأمن، كما أن الأمريكي تأكد أنه لم يعد اللاعب الوحيد في المشهد الدولي، وليضاف الفشل الأمريكي في سورية إلى فشل حروب الإدارة الأمريكية السابقة.

 

أحمد أبو سلعوم المناصرة