الرئيس الخامس
ليس عندى أدنى شك فى أن الرئيس حسنى مبارك يتشوق إلى لقاء الرئيس باراك أوباما خلال زيارته المرتقبة إلى أمريكا، ولست أشك فى أن حقيبة الرئيس سوف تحمل بداخلها العديد من القضايا التى يود الحديث فيها مع ساكن البيت الأبيض الجديد، ولست أضرب الودع حين أقول إن الرئيس منشغل الآن فى إعداد أوراقه التى سوف يطرحها على نظيره الأمريكى، ولكنى أترك الرئيس لما ينشغل به، ولما يشغل حقيبة سفرته الأمريكية، وأجدنى مشدودا أكثر إلى التفكير فى عدد الرؤساء الأمريكيين الذين تشرفوا بلقاء الرئيس مبارك وهو فى سدة الحكم، يعتلى كرسى الرئاسة فى الدولة المصرية، وهو كرسى لو تعلمون عظيم، وهى نوعية من التفكير ما إن تطرح نفسها على المرء منا حتى تنفجر ماسورة تساؤلات لا تنتهى، ليس أولها السؤال عما حققه كل رئيس لبلاده خلال سنوات حكمه، ولن يكون آخرها السؤال عن السبب فى أن يذهب كل هؤلاء الرؤساء، بينما بقى الرئيس فى مكانه!
وكان لابد أن أرجع إلى أرشيفى، فالمدة طويلة فعلاً، والرئيس الأمريكى ينتخب كل أربع سنوات، ما إن يستقر الرئيس فى البيت الأبيض حتى يجد نفسه مرة أخرى معروضا على الشعب ليقول كلمته فيه، وفى سياساته، وفى طريقة حكمه، وفى إنجازاته، وفى إخفاقاته، وفى برنامجه: ما حقق منه، وما لم يحقق.
ولن تحس بطول المدة إلا إذا اكتشفت معى أن باراك أوباما هو الرئيس الأمريكى الخامس فى فترة حكم الرئيس مبارك الممتدة منذ العام 1981 حتى اليوم، وربما تفاجأ أنه لحظة تتشابك أيدى الرئيسين بالسلام على باب البيت الأبيض يكون الرئيس مبارك قد استهلك خلال فترة حكمه أربعة رؤساء سابقين، كلهم على قيد الحياة، وكلهم جاءوا عبر صناديق الاقتراع، وكلهم ذهبوا عند انتهاء مددهم الرئاسية، وأن أحداً فيهم لم يغير مدة الفترة الرئاسية فى الدستور الأمريكى، ولا واحد فيهم تجرأ على إطلاق المدد الرئاسية لتصبح مفتوحة على البحرى أو على ما يشاء الرئيس وأنجاله!
ويمكنك أن تعد معى على أصابع يدك اليمنى، ودعنا نتغاضى عن الرئيس جيمى كارتر الذى تشرف بلقاء مبارك وهو لا يزال نائباً للرئيس السادات الله يرحمه، ولنبدأ العد من الرئيس الجمهورى رونالد ريجان الذى جاءت به الانتخابات إلى الحكم فى نفس السنة التى أصبح فيها مبارك رئيساً لمصر، وقد أمضى ريجان فى الحكم ثمانية أعوام بدأت من العام 1981 إلى العام 1989، وجاءت الانتخابات من بعده بالرئيس الجمهورى أيضا جورج بوش الأب الذى حكم أمريكا أربع سنوات من العام 1989 إلى العام 1993، ثم جاءت الانتخابات بالرئيس الديمقراطى الشاب وقتئذ بيل كلينتون الذى حكم ثمانى سنوات من العام 1993 إلى العام 2001، ثم جاءت الانتخابات مرة أخرى بالرئيس الجمهورى جورج بوش الابن الذى حكم ثمانى سنوات من 2001 إلى 2008، ولدى لقاء الرئيسين المرتقب يكون الرئيس الجديد باراك أوباما قد أمضى أكثر من مائة يوم فى حكم الولايات المتحدة الأمريكية.
ثمان وعشرون سنة ومائة يوم تقلبت فيها أمريكا، والعالم معها، بين خمسة رؤساء، بينهم ثلاثة أمضى كل منهم فترتين رئاسيتين، كل فترة أربع سنوات، وتبدلت خلالها وزارات، واختلفت سياسات، وتعاقب مسئولون، ودخلت أمريكا حروباً شتى، وتدخلت عسكرياً فى أكثر من منطقة فى العالم، وعالجت مشاكل عدة، ودخلت فى مشاكل مستجدة، ولا شيء عندنا يتحرك إلا على وقع التحركات الأمريكية!
ثمان وعشرون سنة ومائة يوم عرف فيها العالم خمسة رؤساء أمريكيين، وأربعة رؤساء وزارة بريطانية، وثلاثة رؤساء فرنسيين، وتقلبت خلالها إسرائيل بين الحكومة الثامنة عشرة إلى الحكومة الثلاثين، ولم يعرف العالم خلال المدة نفسها غير رئيس مصرى واحد!!
بالمصادفة اطلعت أول أمس على صور للرؤساء الأمريكيين الخمسة من أول كارتر حتى بوش الصغير، تبين الفارق الهائل بين صورة الواحد منهم لحظة دخوله البيت البيض وصورته وهو خارج منه يحمل لقب الرئيس السابق، وكلهم بلا استثناء واحد، دخلوا وشعر رأس الواحد منهم أسود من الفحم، وخرجوا جميعاً وقد اشتعلت رؤوسهم شيباً، وقد حفرت المسئولية الضخمة على وجوههم الكثير من تجاعيد الزمن، أما نحن فرئيسنا لا يزال شاباً فى الثمانين!