ىعبده مباشر

 

 

من الحقائق المعروفة والمستقرة تاريخيا، أن الولايات المتحدة هى التى أنشأت ورعت ودربت وسلحت ونظمت الجماعات الإرهابية الإسلامية لاعتصار واستنزاف الاتحاد السوفيتى بعد أن اندفعت قواته عبر الحدود لاحتلال أفغانستان لحماية النظام الشيوعى الحاكم الذى كان يشرف على الانهيار فى نهاية عام 1979.

واختار الأمريكيون شعار الجهاد الإسلامى ضد قوى الإلحاد الشيوعى عنوانا لهذه الحرب التى استغلوها جيدا للانتقام مما جرى لهم فى فيتنام على أيدى القوى الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي، لقد أرادوها فيتناما لإغراق السوفييت فى أوحالها. وتمكن الأمريكيون من تجنيد عشرات الآلاف من شباب ورجال العالمين العربى والإسلامى وبمساعدة واسعة النطاق من دول عربية سواء بتوفير التمويل السخى أو معسكرات التدريب أو بحشد المتطوعين، أما باقى المهام فتولتها أجهزة المخابرات. وواكب ذلك عملية ترويج إعلامى هائلة بجانب استغراق عدد كبير من الشيوخ والدعاة فى إصدار الفتاوى المناسبة. ووجدت جماعات الإسلام السياسى أن الفرصة قد سنحت لإعداد كوادرها إعدادا عسكريا متميزا يخدم طموحاتها ومخططاتها المستقبلية، بجانب العمل على توطيد العلاقات السياسية والأمنية مع أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية، بالإضافة إلى تخزين كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة ومعدات وذخائر.

 

ويوم 11 سبتمبر 2001، تلقت أمريكا ضربة موجعة على أيدى مجموعة من منظمة القاعدة وسالت دماء أمريكية على أيدى إرهابيين سبق أن دربتهم وسلحتهم ومولتهم وأشرفت على رعايتهم. ولم يتأخر رد الفعل الأمريكي، فقد انطلقت حملة عسكرية ضد الإرهاب، وقادت الولايات المتحدة تحالفا عسكريا عالميا لمواجهة القاعدة ونظام طالبان. وبالرغم من النجاح فى احتلال أفغانستان وإزاحة نظام طالبان، فإن الحملة لم تنجح فى القضاء لا على القاعدة ولا على الإرهاب. وعندما أقدمت الولايات المتحدة على احتلال العراق عام 2003، وجد قادة منظمة القاعدة المناخ مواتيا للعمل ضد القوات الأمريكية بالعراق، ولم تعان الولايات المتحدة وحدها العمليات الإرهابية، بل عانى العالم فى معظمه هذه العمليات، وأخيرا تمكنت وحدات عسكرية أمريكية من قتل بن لادن فى مقره السرى بباكستان.

 

خلال هذه السنوات، تبنت واشنطن سياسات هدفها تجنب أن تكون هدفا للجماعات الإرهابية الإسلامية مرة أخري، ومن بينها دفع هذه القوى لقتال بعضها البعض، أى يقتل المسلمون المسلمين، والعمل على تسليم الحكم فى معظم دول العالم العربى لقوى الإسلام السياسى بعد التوصل معها إلى صفقات تتعهد بمقتضاها هذه القوى الإسلامية بحماية أمن إسرائيل بالإضافة إلى احترام حقوق المسيحيين والنساء السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومن قلب ثورات الربيع العربي، وصلت جماعة الإخوان إلى قمة السلطة فى تونس ومصر، كما أنها حازت نفوذا واسع النطاق فى ليبيا وسوريا و اليمن، ووجد هذا المخطط مساندة قوية من تركيا وقطر، بجانب الدعم الأوروبي.

 

وخلال العام الذى قضاه تنظيم الإخوان فى السلطة بمصر، التزم بما تعهد به لأمريكا، حافظ على أمن إسرائيل وفتح أبواب مصر أمام الإرهابيين من مختلف دول العالم، وتحولت سيناء إلى منطقة رئيسية لهم تمهيدا لتحويلها إلى إمارة إسلامية، مجاورة لإمارة حماس الإرهابية فى قطاع غزة. وانكشفت تماما جماعة الإخوان المسلمين، وكانت النتيجة خسارتهم للأرضية الشعبية التى كانوا يستندون إليها، فثارت مصر يوم 30 يونية بصورة غير مسبوقة، ونجحت فى عزل الإخوان.

وأحبط عزل الإخوان فى مصر المخطط الأمريكى وباتت الأهداف الاستراتيجية مفضوحة وعارية، وكان من الضرورى البحث عن حل. ومرة أخرى تلجأ السلطة الأمريكية إلى إطلاق منظمة «داعش» الإرهابية فى منطقة بادية الشام التى تضم شرق سوريا وغرب العراق، أولا لاستيعاب القوى الإرهابية وتوجيهها للعمل ضد أهداف سورية وعراقية.

 

ويبدو أن الأمريكيين لم يستوعبوا جيدا درس صناعة الإرهاب فى أفغانستان فعادوا إلى صناعته فى العراق وسوريا، وعندما عانوا انقلاب الإرهابيين عليهم لجأوا مرة أخرى إلى إطلاق حملة دولية للحرب ضد الإرهاب.

 

لمزيد من مقالات عبده مباشر